هي جريمة يجب أن يواجهها قانون، وهي قضية تتعلق بإنتاجية الدولة، وهي مسؤولية يجب أن يتحملها صاحب العمل وعدم تحمله لها يعني وقوعه تحت طائلة القانون. عزيزي القارئ عندما تقرأ هذه الكلمات، وقبل أن تستكمل السطور أو الخبر ستتصور أن شيئاً خطيراً حدث أو يحدث في مكان ما..!! بالفعل هناك أمر جد خطير يحدث في ألمانيا، مما استدعى التدخل السريع والمباشر من وزيرة العمل الألمانية. الجريمة التي يتحدثون عنها في ألمانيا الآن هي إرسال رسائل بريد إلكتروني للموظف بعد نهاية الدوام، وبالطبع سيكون الموظف شريكاً في الجريمة عندما يرد على البريد ببريد آخر!! والقضية التي تشغل بال واهتمام المسؤولين الألمان هي قضية ضغوط العمل التي تأبى إلا أن ترافق الموظف أو العامل إلى بيته. والمسؤولية التي يجب أن يتحملها صاحب العمل في ألمانيا هي عدم ارسال أية رسائل بريد إلكتروني للموظفين بعد نهاية دوامهم. في ألمانيا يرغبون في حماية الموظفين من الوقوع في براثن ضغوط العمل، التي أثبتت الدراسات العلمية أنها تعرض الموظفين لمخاطر نفسية وجسدية كبيرة تصل إلى حد إدمان المهدئات والمخدرات، بل وتصل في أبشع صورها إلى الانتحار. في ألمانيا يسعون بجدية لإنقاذ موظفيهم من هذا المصير. هم يدركون أن الموظف الواقع تحت تأثير الضغوط هو موظف غير منتج، وكيف ينتج موظف يعاني أمراض سكر وضغط اخترقت جسده، عندما انشغل عقله وفكره بالعمل ليل نهار (%10 من حالات الوفاة بين العاملين في اليابان تعود إلى الإجهاد في العمل). هم يدركون أيضاً أن الموظف الواقع تحت تأثير ضغوط العمل هو موظف عدواني يهاجم زملاءه ورؤساءه، وحتى عملاؤه لا يسلمون من شره. ليس هذا فقط بل إن الموظف المضغوط سيرتكب في لحظة ما خطأ قد يكلف المؤسسة الجلد والسقط. هناك من أصحاب الأعمال من يتخذ من العوز المالي للموظف مبرراً لإثقال كاهله بالمهام وتشجيعه على مضاعفة الجهد لمضاعفة المدخول؛ والموظف بجهله وغياب حكمته يستجيب، فيكون في استجابته نهايته تماماً مثل ذلك الأحمق الذي اغروه بامتلاك الأرض التي تطؤها قدمه، فجرى وجرى حتى قطع مساحات شاسعة، ولكن في النهاية انقطع نفسه وراح ضحية طمعه وجهله. هناك أيضاً (عددهم ليس بالقليل) مدمنو العمل، وإدمان العمل يشبه تماماً إدمان المخدرات، وكما تستطيع بسهولة أن تكتشف ادمان شخص ما للمخدرات تستطيع أيضاً الامساك بمدمن للعمل، فهو لا يحصل على اجازة من العمل إلا نادراً أو مجبراً، يعمل أكثر من 40 ساعة في الأسبوع، دائم التفكير في العمل، بالطبع الركوب مع هذا الشخص في سيارة يقودها يعني محاولات جادة للانتحار، والزواج بهذا الشخص كإلقاء النفس في التهلكة، وتوظيف هذا الشخص كوضع قنبلة موقوتة في المؤسسة. الادارة المحترفة تجبر موظفيها على التمتع بأجازاتهم حتى ولو ارادوا هم الاستمرار في العمل، بل عدم طلب الموظف الحصول على اجازة بعد موسم عمل شاق، يعطي مؤشراً بأن الموظف لا يمكن الاعتماد عليه ويتم تصنيفه في خانة (غير طبيعي). الإدارة المحترفة أيضاً تتيح وقتاً اثناء العمل ذاته للترفيه، فتخصص وقتاً لممارسة الرياضات الخفيفة بين ساعات العمل. الادارة المحترفة تخترع مواقف للضحك ويعطون مكافآت وجوائز لأصحاب أفضل النكات. وفي مؤسسة ما أدرك أصحابها والعاملون فيها قيمة البهجة والسرور اطلقوا على انفسهم مسميات وظيفية مبهرة (ملكة شئون الأفراد، الحاكم بأمر الحسابات) وفي مؤسسة اخرى يكتشف الموظف وهو يقرأ الصفحة الأخيرة من تقرير بدعوة على العشاء من مديره، وفي مؤسسة ثالثة عندما تعقد الاجتماعات توضع الزهور بجانب المجتمعين ليلقوها على كل من يقدم فكرة جديدة أو يثري الاجتماع برأي سديد. عزيزي صاحب العمل لن نطلب منك أن تفعل مثلما يفعل هؤلاء فهؤلاء مجانين بكل تأكيد، ولن نستطيع أن نمنعك من الضغط على مرؤوسيك بقانون مثل القانون الألماني، فالقوانين لدينا أكبر وأعظم من أن تتعامل مع مثل هذه الترهات والتفاهات، فقط تذكر أن موظفيك بشر وليسوا آلات تتحرك بكبسة زر. أما أنت عزيزي مدمن العمل فتوجه لأقرب مركز لعلاج الإدمان وستجد بمشيئة الله من يخدمك.