(من قوة الجفاف العاطفي إذا جانا كلام حلو نشك أن الموضوع فيه مصلحة). أعتقد أن هذه الطرفة تتمتع بجانب كبير من الواقعية في مجتمعنا، فقد تجاوزنا (يا هيه) و(يا هيش) ولكننا ما زلنا نعاني معاناة كبيرة حينما نعبر لشخص نعزه عن حبنا وتقديرنا، وبهذا فقدنا من نحب كما فقدنا مبدعين باتوا يعتقدون أن المجتمع لم يقدرهم التقدير اللائق لأنه لم يستطع أن يعبر لهم عن مشاعره! أذكر أني كنت مع أحد المعارف في مكان عام فرأينا شخصية وطنية شهيرة تستحق التقدير والسلام، فقال لي صاحبي: اعمل نفسك كأنك لا تعرفه حتى لا يكبر رأسه علينا! لم أطع صاحبي طبعاً، فحق مثل هذا الرجل، وحق الوطن أيضاً أن يقال نحن نعرفك بما قدمت ولذلك نقدرك ونفخر بك وليكبر رأسه فكبر هذا الرأس يعني مزيداً من الابداع! نعم! بعض المديح المبالغ فيه يؤدي إلى نتائج عكسية والنفاق الرومانسي يقتل ويشوّه! وقد قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم (إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب)! ولكن صاحب هذا التوجيه صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي مدح أصحابه بما هو فيهم، ولذلك حمل العلماء هذا الحديث على المبالغة أو الثناء على الشخص بما ليس فيه! فقالوا (النهي محمول على المجازفة في المدح والزيادة في الأوصاف، أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب ونحوه إذا سمع المدح، وأما من لا يخاف عليه ذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته فلا نهي في مدحه في وجهه إذا لم يكن فيه مجازفة؛ بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كنشطه للخير والازدياد منه أو الدوام عليه أو الاقتداء به كان مستحباً). إذن لنعبر عن مشاعرنا بصدق واعتدال لمن نحب حتى لا يبحث عن الحب لدى غيرنا! وعلى كل منا أن يتكيّف مع الأمر الواقع حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فليس سكوت الزوج عن الكلمات الجميلة معناه البغض، ولا عدم توضيح الأب لمشاعر الحب يعني الإهمال والتجاهل، ولا تجاهل المجتمع لإنجازات المبدعين يعني أنه لا يريدها!. بل هي قناعات خاطئة الزمن كفيل بتغييرها إذا بُيّن لمن تجاهلوها أهميتها، وخطورة العزوف عنها! ومن هذا الباب أقول: شكراً لعائلتي ولقرائي الذين يكرمونني على الدوام بحبهم، ولولاهم لم أكتب ولم أستطع الاستمرار!