أعود بالذاكرة، أو هي تعود بي، إلى سنوات مضت، ليست بعيدة، ولكننا اليوم نتحدث عنها ونذكر من عاشوا فيها وتملكتهم تلك البساطة والطيبة والود، نتذكرهم وكأنهم اختزلوا كل الصفات الحميدة التي نحتاجها ونتمناها في حياتنا اليوم، وكما هي عادتنا نتحدث عن الماضي وكأنه مستحيل لا نستطيع تفعيل بعض ما كان فيه أو الاضافة عليه بما هو أجود واجمل، للأسف أصبحنا مستهلكين لكل شيء، حتى ما نقوله ونردده نستهلكه لمجرد أن نتذكره لا أن نعمل به ويكون له واقع في حياتنا، وكأن الخصال الحميدة لها زمان ولى وانقضى.. زمان الطيبين هو ذلك الزمن الذي نتحسر عليه، وكأن أيدينا مغلولة ومشاعرنا متبلدة وعقولنا تائهة وقلوبنا متحجرة، ماذا تغير؟ ولماذا تغيرنا؟ وهل اختطفنا؟ وبأي ذريعة استطاع الفاعل أن يتمكن منا ويلعب بنا على وتر العنصرية والطائفية، وكأنه لا يجمعنا وطن ولا تؤطرنا عقيدة ولا نؤمن برب واحد أحد غفار، ولا نصدق برسول أمين كريم، ولا نخاف من يوم عظيم؟ كيف أصبح موروثنا البشري (والإنساني) الذي كان عليه الأجداد والآباء مجرد ذكريات؟، قبل سنوات معدودة ليست بعيدة كانت نسبة الأميين ممن لا يمكنهم القراءة والكتابة اكثر ولكن كانت نياتهم سليمة ومشاعرهم صادقة وقلوبهم نقية.. غير أننا ابتلينا بأنصاف المتعلمين لكونهم الموثرين، لا ينتهجون طريقا للتغاضي ولا مسلكا للتسامح ولا يؤمنون بحق الآخر، يجادلون ويتجادلون من أجل أن يكون صوتهم الطاغي وألا يتكون رأي إلا ما يعتقدونه، فرقوا مجتمعنا بطوائفه وزرعوا الخوف والتخوين بين من كانوا متحابين. وكأنهم أولياء الله على عباده، لا هم لهم إلا كل سوء ولا شغل لهم إلا التأجيج لكل خلاف واختلاف، يفكرون فقط فيما يشتتنا ولا يعملون من أجل ما يجمعنا. في زمن الطيبين كانت المنابر معدودة ولكن ما كان يقال من خلالها يهم الناس ويتذكره الكل ويتناقلونه وكل يعيه ويتحدث عنه، في زمن الطيبين كانوا يجتمعون للاستسقاء والشمس في كبد السماء، وبحسن نياتهم عند خالقهم، وقبل أن ينتهوا من صلاتهم تنهمر السماء عليهم بخيرها، في زمن الطيبين كان المعلم هو من نخافه وكان هو ذلك المسئول الذي يخاف علينا لذلك نوقره ونجله نسمع له ونطيعه. وفي ذلك الزمن الطيب الذكر كانت المرأة هي بنت الرجال وأخت الرجال وأم الرجال، وليست كما في يومنا هذا نحملها كل ما تحمله نفوسنا من سوء، ولا يعرف البعض منا قدرا وقيمة لها إلا عندما تنتهي به كل وسائل الاقناع ولا يجد مفرا ليثبت كرمه سوى أن يرمي الطلاق على زوجته ليجبر ضيفه لقبول الدعوة،. في زمن الطيبين كانت شعرة من لحية أحدهم أو كلمة واحدة تعدل كل التعهدات والمواثيق والكفلاء في زماننا، في زماننا هذا نباهي ونفاخر بخصوصيتنا، غير أن واقع الحال يقول إن البعض يعيش معنا وكأنه لا يخصه أي شيء، والبعض الآخر يتخصص في كل شيء غير أنه لا يعي أي شيء، وهناك البعض الذي لا يخصه إلا ما فيه مصلحة لنفسه،، قد يكون الماضي بكل ما يحمله من طهر ونقاء وبساطة هو ما نحتاجه اليوم في حياتنا المعقدة ونفوسنا المتأزمة، وطموحاتنا التي لا يحدها أفق وأطماعنا التي لا ترضى حتى بما هو أكثر من الكثير، نتذكر الزمن الطيب ونتحدث عنه وكأننا نقر أمام أبنائنا بقصورنا وتقصيرنا وتفريطنا بكل ما هو جميل يعطي لحياتنا قيمة ومعنى. الطيبة موجودة ومتأصلة في شعورنا ومشاعرنا واعرافنا وكل القيم التي يحملها ويوجه اليها ديننا، فلنطلقها دون تزمت أو تقعر، الطيبة والصلاح والخير والحب والسلام والتسامح والود والوفاء كل تلك الصفات لا تحتاج إلى شكل أو هيئة ولا مقياس يمثلها، لا تتحدثوا عن زمن الطيبين عودوا إليه، بإمكانكم ذلك فقط عندما تثقون بانكم وبحسن نياتكم وبما تحملونه من إرث وصفاء وطهر وإحساس وفطرة، أنتم قادرون، لا تسألوا أحدا ولستم في حاجة الى من يفتيكم بكل ذلك. دواخلكم النقية هي ما ينبئكم عن كل ذلك، فقط لا تتركوا كائنا من كان يؤثر عليكم ويشوه طيبتكم!!! يكفينا بأن نكون من نحن، الطيبين أحفاد وأبناء الطيبين،. أهل الزمن الطيب نقبل بأن يتغير كل شي إلا أن تتغير صفاتنا ومكارمنا التي جاء من أجلها حبيبنا وقدوتنا.