في حالات النجاح ننسى شركاءنا، ونتذكرهم جيداً في حالات الإخفاق والفشل، لذلك عبارة : لم أكن لوحدي، تلهج بها ألسنتنا إذا فشلنا أو أخطأنا، وتختفي أو تكاد إذا نجحنا. لا يمكن لشخص - مهما بلغت به القدرة والذكاء - أن يصنع نجاحاً بمفرده. فالنجاح صناعة جماعية، ابتداءً بمن ساهم فيه بشكل كبير وأساس، مروراً بمن أمدَّك بكلمة تشجيع عابرة، أو دعوة في السر صادقة، وانتهاءً بمن فَرِح وصفَّق لك بعد نجاحك، كل أولئك هم شركاؤك في النجاح. النفس البشرية بطبيعتها التي تنزع إلى الأنانية والفردية، تحب أن يُنسَب لها النجاح خالصاً، ولا تحب أن يُنسب لها فشلٌ أو خطأ، وإذا كان ولا بد فثمة شركاء ساهموا في وقوعها فيه. يجب أن تكون أعيننا مصوبة على مثل هذه الطبائع السيئة من نفوسنا، فلا ننسى أن نعالج زهونا وفرحنا أثناء النجاح؛ بالشكر والاعتراف والامتنان للآخرين، ونعالج بفضيلة الاعتراف بالخطأ وتحمل المسؤولية، نقيصة التبرير وتوزيع التهم. نكران الجميل وغَيَاب الشكر شُعَبٌ؛ أعظمها كفران نعمة المنعم الأول - سبحانه وتعالى - وقد جعل الله قارون لها مثلاً عندما قال: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) ودونها جحود فضل الآخرين عليك والتنكُّر لهم. وبين الخطيئتين درجات متفاوتة من عظيم الجُرم واستحقاق الذم، إلا أنه يجمع بينهما أصل طبيعة النكران والجحود. ما يجري على يديك من نجاح أو إنجاز، كان يقف خلفه فريق كامل، يحيط بك، ما كان لك أن تصنع ما صنعته دون هذا الفريق. لذلك هو نجاحهم جميعا، وكل ما في الأمر أن هذا الفريق قرر أن يجعل منك في حفل التتويج المقدِّم الذي يُعلن نتيجة النجاح. كم هو مؤلم أن يغيب عن خطابك الذي ستلقيه شكرُ هؤلاء والإشادة بهم. كم هو مؤلمٌ أن يغيب في خطابك ذِكرُ من ساهم في بناء الإنجاز وصاحبه: والداك، وأساتذتك، وإخوانك، وزملائك. وأكثر من ذلك فظاعة وشناعة عندما لا نكتفي بغياب الشكر، بل نضيف إليه نكران فضلهم وننسى جهدهم وحرصهم. نحن عندما نشكر الآخرين وننسب إليهم الفضل الذي يستحقونه، فإننا لا ننفي الإنجاز عن أنفسنا، ولا ننتقص مما فعلناه شيئاً، بل نضيف إلى نجاحنا نجاحاً آخر على مستوى الأخلاق. كل ما نحتاجه، أن ننقل كلمة ((لم أكن وحدي)) التي نرددها في حال الإخفاق والفشل، إلى حال النجاح والإنجاز، وننقل كلمة ((كنت وحدي)) من حال النجاح إلى حال الإخفاق والخطأ. سيستقيم منّا هذا الطبع، ونكون في الأولى شاكرين وأوفياء، وفي الثانية على قدر المسؤولية وتحمل الخطأ.