الوفاء صفة حميدة وجميلة وقلة من الناس من يتحلى بها، إن هذه الكلمة المكونة من أربعة حروف فقط تحمل في جوهرها وحقيقتها الكثير من المشاعر الإنسانية الراقية والسامية، فهي تتضمن الشكر والامتنان بعد الله لمن أحسن إلينا والدفاع والذود عنهم والإخلاص لهم، فلا نظهر أمامهم ما نخفيه في قلوبنا ولا نقول عكس ما نبطن. والوفاء لا يقتصر على بيئة دون أخرى، فهو موجود في جميع علاقاتنا مع الآخرين على اختلاف مسمياتهم وأعراقهم، في العمل وفي المجتمع، وفي هذا السياق يمكننا أن نتحدث عما يصح أن نطلق عليه الوفاء الإداري. الوفاء الإداري سلوك يكاد وللأسف يندثر خاصة مع بزوغ الانتهازيين وانتشارهم، والوفاء الإداري يعني الاعتراف بإنجازات من سبقونا، يعني الاعتراف بمبدأ من زرع لا من حصد، وهو سلوك يعنى بتكريم الناجحين والمتميزين، وما أنكر شخص ذلك إلا من نقيصة يحملها في أعماقه، والمسؤول الكريم أو الوفي هو ذلك الذي يعطي لكل ذي حق حقه، رئيسا أو مرؤوسا، من أقل الأعمال شأنا في المؤسسة لأكثرها أهمية بحيث يتم تكريم كل شخص بحسب إنجازاته، فهم الذين شاركوا في بناء المؤسسة وحملوا همومها على أعناقهم حتى انتصبت عالية، فتاريخهم هو جزء من حضارة مستمرة، وكل نجاح لها ينسب لهم جميعا وليس لواحد منهم فقط، فهم بمثابة جزء من المؤسسة وإحدى دعماتها بل وأركانها الرئيسية أيضا. لكن وللأسف هناك بعض المسؤولين ممن يفهمون الوفاء الإداري على أنه نزعة أحادية الجانب، ما أن يصلوا للمؤسسة وتربعوا على قمتها إلا استهانوا بمعنى الوفاء، يبذلون جل جهدهم لطمس إنجازات من سبقهم والانتقاص منها، كما أن الوفاء بلغتهم هو تكريس للمنافع المتبادلة، ففي حال وجود مصالح متبادلة بين بعض المسؤولين عندها يتم تكريمهم وتبجيلهم. وفي الحياة العملية كثيرا ما نشاهد بعض المسؤولين الذين تباهوا بصنيعة غيرهم وأهالوا الرمال بذلك على أبسط معاني الوفاء، فهم من يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، ذلك أنهم يتميزون بفقر الإنجاز وقلة العطاء، ممن يعيشون على فضلة إنجاز الآخرين وعرق كدحهم، فشعلة النجاح لم تضيء سماء المؤسسة إلا بوجودهم، يقتنصون كل فرصة للادعاء بأن المؤسسة قامت على أكتافهم هم وحدهم، وعند تحقق أي إنجاز تم غرسه في فترات سابقة ينسبونها لأنفسهم، لمجرد فقط أنهم ظهروا خلال موسم الحصاد!. وعندما يغادر هؤلاء المسؤولون مناصبهم -وهي سنة الحياة- فهم يتلمسون الوفاء من الآخرين، نجدهم يطالبون غيرهم بالوفاء لهم والاعتراف بهم، يستجدون الآخرين لتكريمهم ويستحثونهم للاعتراف بوجودهم، ولا يجدون أي غضاضة في أن يتطفلوا على كل مناسبة في مؤسساتهم ليفرضوا أنفسهم باعتبارهم رجال المرحلة، بل رجال كل مرحلة، ولا يبالون بأوضاعهم المثيرة للشفقة وهم يستجدون الوفاء من الآخرين، ويكفي للمرء أن تتحدث أعماله عنه وتكشف إمكاناته وقدراته الحقيقية. إن الوفاء الحقيقي لكل صاحب إنجاز فعلي يشعر به دوما رجال الظل الذين يعملون في الظلام، ممن لا يتحدثون عن إنجازهم، بل يتحدث الناس عنه وعنهم. من الطبيعي أن يتواجد بكل مؤسسة حفنة من هؤلاء المسؤولين، فلكل تمام نقيصة والكمال لله عز وجل وحده، ولكن المحزن والضار هو أن تستشري ثقافة وسلوك هؤلاء حتى تصبغ سلوكيات المؤسسات بأكملها بصبغتها القبيحة، بحيث يكون الجحود والتنكر لأعمال الآخرين هو السمة الغالبة على المسؤولين هناك إلا في حالة وجود مصالح مشتركة أو منافع متبادلة مرتقبة، وبحيث يكون من الطبيعي أن ننسى إنجاز من سبقونا ونتجاهل جهودهم لمجرد أنهم غير موجودين بين ظهرانينا، فمن شكر الناس شكر الله، والشكر قيد النعم كما قال عمر بن عبدالعزيز، ولو انتشرت ثقافة الجحود بين العاملين بالمؤسسة سواء كانوا رؤساء أو مرؤوسين سنجد أن معدل الانتماء والإخلاص للمؤسسات قل بدرجة لافتة، وستقل تبعا له الجهود المبذولة في العمل والرغبة في تحقيق أي إنجاز، وتلقائيا سيتدهور حال المؤسسة وتحتل مراكز دنيا بين بقية المؤسسات، وهو ما يضر باقتصاد الدولة بشكل عام ويتسبب في انخفاضه وتدهوره.