يخلط البعض احياناً بين مفهومي التمدن والتحضر فيقال إن فلاناً حضري أو مدني، وفي اللغة، لا يزال التحضر يعني ضمنياً الأسلوب اللطيف المثقف الخالي من الألفاظ البربرية وغيرها من الألفاظ غير الملائمة. ويقال الحضر بخلاف البدو ففي الأولى يسكنون المدن وفي الثانية يسكنون الصحراء. والواقع بين التمدن والتحضر فارق كبير كالفرق بين المظهر والجوهر، الأولى ترجع لمظهر الشخص ومسكنه والثانية لفكره وثقافته. ليس اعجازاً أن تصل الفضاء في مركبة فضائية، ولكن الإعجاز أن تفكر بعقلك في صانع هذه المركبة التي أوصلتك إلى هذا المكان. إن إشكالية مجتمعاتنا العربية تكمن في الخلط بين المفهومين لدرجة أن أصبحا مساويين ومرادفين لبعضهما البعض في المعنى، وهو السبب الرئيس في تأخرنا بمجالات عديدة ولنأخذ أقرب الجوانب وأبسطها كمثال: نحن ما زلنا نواجه ونعاني من التخلف الفكري الذي لا يمت للدين بصلة -مع أننا منبع الدين الإسلامي - بالتعصب القبلي والعادات والتقاليد التي عفا عليها الزمن، ولا مجال لذكرها رغم التقدم البنّاء في شتى مجالات الحياة، وما زالت تسيطر على حياتنا وعلى تحديد مصائر أبنائنا، فتجد شابا سعوديا يتمتع بكل الصفات والمميزات التي تحلم بها أية فتاة تُقفل الأبواب في وجهه لأنه ليس من القبيلة الفلانية، والأدهى ليس من الفخذ الفلاني أو لم يثبت نسبه لتشابك أفراد قبيلته أو مغردين بعبارة "البنت لابن العم"، ومتجاهلين قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) وقوله تعالى ((فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون)). أين الوعي الديني والفكري والأدبي في مثل هذه القضية وغيرها من القضايا الاجتماعية؟، قال تعالى «إنا جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» إن الإنسان المتحضر هو الذي يملك عقلاً نظيفاً وفكراً مبدعاً وإيماناً حقيقياً، يختار الشخص المناسب الذي بتوفيق الله يمكن أن يحقق لابنته الأمن والأمان والسعادة ليس لقبيلته؛ وإنما لشخصه وثقافته وإيمانه فلا يكسر قلبه/ها ويحجر عقله/ها فتنتهي العلاقة الزوجية بنهاية أليمة وهي الانفصال، أو تجده يأخذ ابنة العم مجبراً عليها - وهو نوع من أنواع الإرهاب الأسري - وإن كانت لا تتفق مع ميوله وفكره ويبحث عن العقل والحب والدفء في حضن زوجة أخرى. إن الثقافة بمثابة الروح لكل من الحضارة والمدنية، والوعي بخطورة الخلط بين المفهومين أولى درجات الحل العقلاني لكثير من مشاكلنا وتناقضاتنا على المستوى الحضاري. فنحن شعب بيننا من يقتني أغلى الساعات ولا يعرف للوقت قيمة، يملك قصوراً ويبحث عن استراحات، يسير بطرقات واسعة ويعتلي الأرصفة، لدينا إشارات مرور لا نحترمها، يرى طابور الانتظار ويتخطاه ليقف في المقدمة..... فكيف نكون حضريين؟