اقتضت حكمة الله في خلقه أن قيمة المرء عند الله وعند الناس لا تقاس بطول الأعمار ولا بكثرة الأموال والأولاد والأتباع ولا بما يأكل أو يلبس أو يركب أو بما يمتلك من دور وقصور او بمنصب او جاه او وجاهة او غيرها من جناح البعوض. إنما تقاس بما يقدم من إنجازات ومنافع وعطاءات تعود على دينه ومجتمعه وأمته بالخير والصلاح.. تقاس قيمة المرء بمقدار ما يحمل من مبادئ وقيم سامية تستقيم بها الحياة وبها تحل السعادة على الجميع.. فيساعد ويبذل ويضحي وينصح ويشارك في حمل الهموم وتفريج الكروب ودفع الخطوب عن الآخرين ما استطاع إلى ذلك سبيلا.. يقول الله على لسان عيسى بن مريم -عليه السلام-: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً). هؤلاء تتألم الأرض عند فقدهم وتهتز السماء حزناً على فراقهم وانتهاء حياتهم لأنهم أدركوا حقيقة الحياة وقاموا بواجباتهم بل تنازلوا عن الكثير من حقوقهم وحظوظهم وقدموا منافع ومصالح مجتمعاتهم وأوطانهم فعاشوا عظماء وما زالت مآثرهم وأعمالهم تتحدث عنهم. لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ وحملته الملائكة- رضي الله عنه- وفرح النبي (عليه الصلاة والسلام) بعودة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال «لا أدري بأيهما أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر» لانه عانى ألم الغربة ولوعة البعاد عاش لدينه وأمته. في فتنة خلق القرآن ثبت الامام احمد بن حنبل وتعرض للفتن والجلد والسجن ولكنه صار إماما لأهل السنة. «ابن باز» العلامة البحر الذي جدد في العلم والتعليم وخدمة الإسلام، فسار الاسم في الآفاق، فكان اسمه كافياً في إقناع الناس بالحلال والحرام، «أحمد ديدات» الرجل الذي أقلق مجلس الكنائس العالمي، وأسلم على يديه الآلاف وخلد التاريخ اسمه. مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس أموات هناك علماء ومصلحون وملوك ورؤساء وهناك تجار وأصحاب وجاهات وهناك أساتذة جامعات وأطباء ومعلمون ومهندسون وغيرهم كثير خسر المجتمع بفقدهم أشياء كثيرة وخسرت المجتمعات صنائع المعروف التي كانوا يقدمونها.. خسرت الحياة مساهمتهم الفاعلة في إسعاد الآخرين من حولهم لنفكر جيدا فماذا سيخسر مجتمعنا بموتنا؟ ماذا قدمنا لديننا ماذا عملنا لأمتنا ووطننا؟ هل قدمنا مصالح الأمة والمجتمع على مصالحنا الشخصية؟ هل سلم الناس من ألسنتنا وأيدينا؟ إن علينا أن نستغل أعمارنا.. أو تكون الحسرة والندامة قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ). إن الحياة من حولنا بجميع كائناتها لتدرك أهمية ما يقدمه الإنسان ويقترفه من خير أو شر وتتأثر وتحزن وتتألم فالدواب ترتاح من موت الفاجر، ففي الحديث أنه- صلى الله عليه وسلم- مر عليه بجنازة فقال: (مستريح ومستراح منه، فقالوا: يا رسول الله ما المستريح وما المستراح منه؟ قال: إن العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله تعالى، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب)) أخرجه البخاري. فالفجور نقمة على العباد والبلاد والدواب والعياذ بالله.. أما البحر فانه يغضب حينما يعصى الله ففي مسند الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال في الحديث القدسي عن رب العزة: ((ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستأذن الله تعالى أن ينتضح عليهم فيكفه الله عز وجل)) وفي رواية: ((ما من يوم إلا والبحر يستأذن ربه أن يغرق ابن آدم، والملائكة تعاجله وتهلكه، والرب سبحانه وتعالى يقول دعوا عبدي)) فيا سبحان الله، البحر يغار ويغضب لانتهاك بني آدم حرمات الله، ينبغي على كل من تولى امرا من الامور او آتاه الله علما او حكمة او مالا او قلما ان يبذلوا المعروف لمجتمعاتهم ويساهموا في حفظ الدماء والأعراض والأموال ورأب الصدع وحل الخلاف بمعروف. ألا تفكر في أن تكون عنصراً فاعلاً في هذا الوجود. أن تكون آثارك بينة يقولون: مر وهذا الأثر... لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد شهم يموت بموته خلق كثير