في قراءته لقصيدة صلاح عبدالصبور (الظل والصليب) يقول الكاتب الجزائري إبراهيم مشارة: «السأم مضمون وجودي (..) إنه شعور برئاسة الأشياء وتبلد نواميس الكون وعطالة الحياة الانسانية (..) وجدب النفس ولم تعد الميتافيزيقا (..) وإغراءاتها الغيبية بقادرة على تدمير هذا الشعور في أنفس رهيفة جبلت على البحث العميق (..) والتمرد على المألوف... الخ» الميتافيزيقا التي يستدعيها إبراهيم مشارة ماتت منذ زمن بعيد في نظر الحداثة التي نظر لها ماكس فيبر (1864-1920) وقال إنها: عقلنت العالم ونزعت السحر عنه.. إن مرضنا هو الميتافيزيقا نفسها، فنحن لا نزال نغط في سراب الأساطير والخرافة والعيون التي ترى من وراء. نحن لا نزال فيما قبل الحداثة ولكن الذي نزع السحر عن حياتنا ليس حداثة ماكس فيبر بل الصورة التلفزيونية التي تميت فيك شيئا فشيئا الإحساس ببشاعة ما ترى. وذلك ما يسمونه العادة التي ينزع عنها التكرار ما فيها من الغرابة وكل ما فيها مما يتناقض مع إنسانية الإنسان. السأم هو الإحساس البليد بالانفصال بين ذاتك التواقة إلى الفجر.. فجر المعرفة والتجاوز وبين ما يتراكم حولك من ظلمات الجهل والتوحش النامي نمو الوباء. حين كنا صغارا كان منظر ذبح دجاجة يدفعنا إلى الفرار رعبا وجاءت الصورة التلفزيونية لترينا إلقاء طفل من شاهق وذبح آخر بالسيف أمام أمه.. ولتكرار هذه الصور أصبحت أحاسيسنا متبلدة يعلوها الرماد.. من جميل ما قرأت قبل بضعة أيام مقال للكاتبة سالمة الموسى بعنوان ((دمية داعش وسكينها.. والصورة الإعلامية)) والذي حملت فيه وسائل الإعلام المرئية جريمة تشويه الأطفال بزرع التوحش في عقولهم الباطنة. وأخيرا قد يريحنا مثل إراحة الدموع للشاكي أن نقرأ قصيدة أو بعض قصيدة عبدالصبور: ((هذا زمان السأم نفخ الأراجيل سأم لا عمق للألم لأنه كالزيت فوق صفحة السأم لا طعم للندم هذا زمن الحق الضائع لا يعرف مقتول فيه من قاتله ومتى قتله ورؤوس الناس على جثث الحيوانات ورؤوس الحيوانات على جثث الناس فتحسس رأسك))