لماذا يصبح بعض الأشخاص متطرفين وعنيفين؟ قد تعتقد أن الجواب هو الفقر. جورج بوش كان يعتقد ذلك أيضاً وهو القائل: «إننا نحارب الفقر لأن الأمل هو الجواب على الإرهاب». وقد تعتقد أن نقص التعليم هو السبب. وقد كانت لورا بوش تعتقد ذلك أيضاً حيث قالت ذات مرة: «إن نصراً دائماً في الحرب على الإرهاب يتوقف على توفير التعليم لأطفال العالم». بيد أن أياً من هذين الجوابين صحيح لأن معظم المتطرفين، بمن فيهم أولئك الذين يرتكبون أعمال عنف، ليسوا فقراء ولا يعوزهم التعليم. لقد توصل العلماء إلى أن الانتحاريين يميلون بشكل عامٍ إلى أن يكونوا ممن لديهم دخل أكبر ومستوى تعليمي أعلى مقارنة مع معظم الناس في بلدانهم. واللافت أيضاً هو أنه بعد بضع سنوات على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لم يكن أشخاص في الأردن والمغرب وباكستان وتركيا ممن لديهم دخول أعلى من المتوسط أقل ميلا من غيرهم إلى القول بأن الهجمات الانتحارية ضد الغربيين مبررة. هذا في حين كان الأشخاص الذين لديهم مستوى تعليم أعلى أكثر ميلا إلى التوصل إلى ذلك الاستنتاج. وبالمثل، فإن تأييد العنف ضد أهداف إسرائيلية واسع الانتشار بين الفلسطينيين، لكنه ليس أقل انتشاراً بين الأشخاص الذين لديهم مداخيل ومستويات تعليمية أعلى نسبياً مقارنة مع الأشخاص الأميين والعاطلين عن العمل. وفي ضوء هذه النتائج، يقول ألان كروجر، أستاذ الاقتصاد بجامعة برينستون: «من أجل فهم من ينضم إلى التنظيمات الإرهابية، وبدلاً من طرح السؤال بخصوص من لديه راتب منخفض وفرص قليلة، علينا أن نسأل: من لديه آراء سياسية قوية وثقة كبيرة بما يكفي ليحاول فرض رؤية متطرفة بواسطة وسائل عنيفة؟». هذا هو السؤال الصحيح الذي ينبغي طرحه؛ وجزء من الجواب عليه يأتي من القوى الاجتماعية في الواقع، مثلما تفيد بذلك بعض التجارب القديمة في علم النفس الاجتماعي. التجارب الأصلية، التي أجراها في عام 1961 جيمس ستونر، الطالب الباحث في «معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا»، كانت كالتالي: تم جمع عدد من الأمريكيين ضمن مجموعات وسئلوا عما إن كانوا يرغبون في ركوب بعض الأخطار الافتراضية؛ مثل تجريب وظيفة جديدة، أو الاستثمار في بلد أجنبي، أو الفرار من معسكر لأسرى الحرب، أو الترشح لمنصب سياسي. ومثلما تبين لاحقاً، فإن المشاركة في عملية اتخاذ قرار جماعية جعلت المشاركين أكثر ميلاً إلى ركوب مثل هذه الأخطار. خلاصات ستونر هذه أكدها باحثون آخرون كثر لاحقاً، مما أفضى إلى نتيجة مؤداها أنه عندما يتصرف الناس ضمن مجموعات، فإنهم يعيشون ما يسميه ستونر تجربة «التحول الخطير». لكن الدراسات التي أجريت لاحقاً أثارت أسئلة جديدة. فخلال إجاباتهم على كثير من الأسئلة نفسها التي أظهر تجاهها الأمريكيون «تحولا خطيراً»، أبدى مواطنون من تايوان تحولاً نحو مزيد من الحذر. فما السبب في ذلك؟ الواقع أن كل شيء يعتمد على الميول الأصلية لأفراد المجموعة. ذلك أنه عندما يكون لدى بعض الأشخاص ميل إلى المجازفة وركوب الأخطار، فإن حواراتهم ونقاشاتهم تأخذهم إلى نقطة بعيدة في ذلك الاتجاه. وعندما يكون لدى الأشخاص ميل إلى الحذر، فإن نقاشاتهم وحواراتهم تجعلهم أكثر حذراً. وإذا كان الأمريكيون قد بدوا ميالين إلى المجازفة، فإن التايوانيين بدوا كارهين لها. وهذا الفرق البسيط هو الذي يفسر التحولات المتعارضة. وباختصار، إن المجموعات تميل إلى عيش حالة الاستقطاب. وفيما يتعلق بالمواضيع السياسية، فإن الاستقطاب الجماعي يحدث كل يوم. ففي فرنسا، على سبيل المثال، أصبح أفراد مجموعة ترتاب في الولاياتالمتحدة أكثر ارتياباً فيها بعد أن تبادلوا الآراء ووجهات النظر فيما بينهم. وإذا كان الأشخاص يميلون إلى معاقبة شخص لأنه ارتكب خطأً ما، فإن نقاشاتهم مع بعضهم البعض تميل إلى أن تقودهم إلى تفضيل إنزال عقوبة أقسى وأشد على ذلك الشخص. وبالمثل، فإن الأشخاص الذين لديهم ميول متشددة يصبحون أكثر تشدداً بعد نقاشاتهم الجماعية وأكثر ميلاً إلى خرق القانون. لكن، لماذا يحدث الاستقطاب داخل المجموعة؟ الجواب الأول يتعلق بالمعلومة. وعلى سبيل المثال، فلنفترض هنا أن معظم أفراد المجموعة يعتقدون أن جماعة دينية ما، أو زعيماً، أو دولة هي شريرة. إذا كان الأمر كذلك، فالأكيد أنهم سيسمعون الكثير من الكلام و«الحجج» التي تصب في هذا الاتجاه. وبينما هم يستمعون إليها، سيصبحون على الأرجح ميالين إلى تبني نسخة أكثر تطرفاً من حكمهم السابق. ثم إن الناس يهتمون أيضاً بسمعتهم؛ لذلك سيقوم بعض أفراد المجموعة بتعديل وتكييف مواقفهم حتى تنسجم وتتماشى مع الرأي الغالب؛ غير أن الخطير في الأمر هو أنه إذا كان أفراد المجموعة لا يستمعون إلا لبعضهم البعض، وكانت لدى غالبيتهم ميول متطرفة، فإن ثمة احتمالاً كبيراً لأن تمضي المجموعة برمتها في اتجاه قدر أكبر من التشدد، بل والوحشية حتى. في سنة 1998، أثار عالم السياسة بجامعة نيويورك «راسل هاردن» الانتباه إلى ما سماها «ابستمولوجيا التطرف المعاقة»، والتي قصد بها التشديد على مدى قلة ما يعرفه المتطرفون. وقد كان هاردن، الذي ركز على الأصوليين، قلقاً بشأن ما يحدث «عندما يكون المتعصب ضمن مجموعة من الأفراد الذين لديهم عقليات وآراء متشابهة، وخاصة عندما تقوم تلك المجموعة بعزل نفسها عن الآخرين». وخلال الأعوام المقبلة، لا شك أن الجهد الدولي لمحاربة التطرف العنيف سيتطلب القوة أحياناً والضغط الاقتصادي أحياناً أخرى؛ لكنه لن ينجح إلا إذا أوقف عمليات التجنيد وغرس الأفكار المتشددة التي تقوم بها مجموعات أشخاص من ذوي العقليات والأفكار المتشابهة. المدير السابق لمكتب المعلومات والشؤون التنظيمية في البيت الأبيض، والأستاذ بجامعة هارفارد خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»