قرأت خلال اليومين الماضيين عشرات المقالات التي تناولت فتوى العبيكان وصاحبها. بعضها «شرشح» العبيكان ونسي الفتوى. العبيكان لم يختلق شيئا من عند نفسه. ومع ذلك لم يسلم هو نفسه من التجريح الشخصي. أحيانا أشعر أننا عدميون، «يا ابيض يا اسود»، فيما بينهما طيف لا متناهٍ من الألوان. وهناك دائما، في أسوأ الأحوال، اللون الرمادي. على مستوى العالم، لا يبدو أن أحدا يعشق الخلاف والاختلاف أكثر منا. ننتظر أي جنازة ل «نشبع فيها لطم»، لكننا مع ذلك لا نجيد ثقافة الاختلاف. حتى داخل الأسرة هنالك دائما رأي واحد، وعلى مخالفه أن يتلقى ما شاء الله من الصدمات والصفعات. لا تقف المسألة عند هذا الحد. لدينا حالة تطرف تعشعش في دواخلنا. هناك متطرفون دينيون، وهناك متطرفون لأفكار ما، وثمة أشخاص على أهبة الاستعداد للتطرف، غير أنهم لم يجدوا حتى الآن ما يتطرفون لأجله. على أية حال، ليست المشكلة في محض التطرف. على العكس، فأحيانا يخلق التطرف حالة من الحراك الفكري، والنقاش المفيد، وبضدها تتبين الأشياء. لكن للتطرف حدودا. ليس عيبا أن تتطرف لأي فكرة أيا كانت. لكن المهم أن تحترم فكرتي الخاصة وموقفي من فكرتك. بإمكانك أن ترد علي، أن تناقشني، وحتى أن تسفه الفكرة. فقط حين ينتقل إلى طور العنف والإكراه، فإن التطرف يتحول إلى معضلة ومرض يجب استئصاله. تطرف كما تشاء لأي فكرة تشاء، لن يمنعك أحد. المهم هو ألا تفترض أن المجتمع لا بد أن يتكون من نسخ كربونية مكررة تشبهك وتوافق هواك. نحن نختلف لأننا بشر. لأن عقولنا وطريقة تفكيرنا وتحصيلنا العلمي وميولنا وتربيتنا مختلفة في الإجمال. ولأننا بشر، فلا يمكننا أبدا أن نتفق في كل المسائل. يمكننا فقط أن نختلف بطريقة متحضرة.