منذ فترة طويلة وهناك صراع بين البنتاغون وقواته النظامية، وبين الاستخبارات ووحداتها السرية، فالكل يعمل لصالح امريكا، الاول قوة تدخل معلنة، والثانية قوة تدخل سرية، اعمال الاولى واضحة وتحتاج الى قرار وموافقة الكونجرس، الثانية لا تحتاج لكونها تعمل ضمن مهمة الدفاع عن مصالح الامن القومي الامريكي، واعمالها احيانا تسبق بكثير اعمال الجيش الامريكي، فهي كفيلة بزعزعة الامن والاستقرار في الخطوط الخلفية، واعمالها مجهولة النسب، بمعنى لا سائل ولا مسئول، واعمالها لا تقرها الحروب كونها جنائية، ومن مهامها الرئيسة التفتيت وتعزيز الصدامات بين المجتمعات والاديان. بعد دخول داعش الى سنجار، كانت هناك دعاية اعلامية مضخمة حول ما تقوم به داعش، قتل للإيزيديين، سبي للنساء، وبيع للجميلات، وتشريد الالاف، كل هذه الدعاية التي بدت كبيرة، كان الهدف منها اولا اعطاء الامريكان مبررا للتدخل، وثانيا اعطاء تركيا مبررا للتدخل، والثالثة ان خلافا حادا ظهر بين اكراد العراق وبين اكراد سورياوتركيا، لدرجة اضطر الامريكان وهم يعتبرون حزب البي كيكي منظمة ارهابية، اضطروا وبضغط منه لعقد لقاء تنسيقي في سنجار جمع ضباطا امريكانا وضباطا من البشمركة، مع ضباط من البي كيكي واليو بي جي، فرضوا فيه عدم تدخل البشمركة، وأن تكون الضربات الامريكية لداعش في سنجار بالتنسيق معهم. قوات الجيش الامريكي تتبع البنتاغون (وزارة الدفاع) والمنظمات والشركات السرية تتبع قوات (لا نغلي أي الاستخبارات) وبالرجوع الى سجن بوكا في البصرة فقد زج بالبغدادي مع سجناء القاعدة، وتم اطلاق سراحه في 2009، فيما كانت مهمته السابقة نقل مقاتلين من الاراضي السورية الى العراق وكان ذلك بالتعاون مع المخابرات السورية، وما يؤكد ذلك ان دمشق عندما وافقت على الوساطة القطرية لإطلاق سراح الراهبات المحتجزات لدى جبهة النصرة، فقد شملت الصفقة اطلاق سجى حميد الدليمي زوجة ابوبكر البغدادي وأبنائه الذين كانوا تحت الاقامة الجبرية في المخابرات السورية، لتسلم الى داعش ومنها الى الانبار. البغدادي وبحسب تحقيقات واعترافات امريكية هو شخصية وهمية، وليس له علاقة من قريب او بعيد بتنظيم القاعدة، الا انه افرز للقيام بمهمة داخل التنظيم بعد قتل الزرقاوي وقتل ابو ايوب المصري وحجي بكر، وهو ما اكده الجنرال كيفن بيرنغر الناطق السابق باسم الجيش الامريكي عام 2007، موضحا ان البغدادي شخصية وهمية وان عدم انصياعه لأوامر ايمن الظواهري هو مجرد اطلاق مرحلة جديدة من تنظيم القاعدة، وقد بدأت هذه المرحلة بعد مقتل او اختفاء اسامة بن لادن كرأس للإرهاب في الدعاية الامريكية، وجاء ذلك مع تدشين الثورات العربية عام 2011، وفتح الطريق امام الاسلام السياسي ممثلا بالاخوان المسلمين وبرضا امريكي، وجاء ظهور البغدادي صارخا عقب انهيار سلطة الاخوان في مصر، بعد اتهامات لهم بأنهم جزء من مشروع التفتيت في المنطقة. هنا تأتي اشارات وتأكيدات الموظف السابق في الاستخبارات الامريكية ادوارد سنودن، وفي اطار الصراع المخابراتي الدولي والاقليمي، الروسي الامريكي، الايراني التركي، والموساد الاسرائيلي، وضمن هدف جانبي بالإساءة للإسلام وللسعودية كمرجعية للعالم الاسلامي والسني على الخصوص، قال سنودن ان البغدادي قبيل اطلاق سراحه وبعد تعاونه مع الاستخبارات الامريكية، تم تدريبه واعداده للقيام بمهمة جديدة وموازية لما قام به اسامة بن لادن سابقا، وكان ذلك بتعاون امريكي بريطاني اسرائيلي، خاصة وان القراءات الامنية والاستراتيجية تشير فعلا الى تراجع الدور الامريكي في المنطقة، وتعويل اسرائيل في مستقبلها على علاقة دولية استراتيجية مع المانيا، وعلاقات استراتيجية اقليمية مع تركيا والهند وايران. الخطة كانت اعادة تجميع الجهاديين فيما يعرف (بعش الدبابير) والهدف تجزئة وتقسيم دول المنطقة وتحديدا سورياوالعراق، وذلك عبر احياء التطرف الطائفي من خلال (انشاء دين شعاراته إسلامية يتكون من مجموعة من الأحكام المتطرفة التي ترفض أي فكر آخر أو منافس له) ولو عدنا الى حجم التضخيم الاعلامي الغربي لداعش لاكتشفنا ان في الامر سرا، فقيادات عشائرية عراقية تؤكد ان تنظيم الدولة صغير ومحدود وضعيف، لكن لديه اتصالات سرية مجهولة، سمحت له بالظهور غير الاعتيادي، مثل تسليم الموصل وهروب جيش المالكي، وترك خزائن الاموال وغيرها، مثل اعتقال الدبلوماسيين الاتراك، واقتحام مقر الحزب الاسلامي (الاخوان) في الموصل. لنكتشف مثلا ان داعش حاولت اعطاء كل من المالكي وايران وامريكاوتركيا مبررات للتدخل باسم محاربة الارهاب، وسمحت بعقد صفقة بين الحزب الاسلامي في العراق وايران حول العملية السياسية كفلت بخروج المالكي، كما ان داعش لم تفجر خطوط النفط في بيجي وكركوك ودير الزور، فيما المفاوضات المتعثرة بين حماس واسرائيل لم تؤكد كثيرا على الاسرى والمعتقلين قدر تركيزها على النفط والغاز قبالة غزة، حماس تطالب ب12 كم، وتل ابيب تؤكد على مسافة 9 كم فقط، بينما في السر هناك صراع بين شركات امريكية روسية حول غاز ونفط غزة. ما يؤشر الى ان الصراعات الخارجية احيانا تكون تعبيرا عن صراعات داخلية، ففي امريكا ومنذ 10 سنوات هناك صراعات في حدها الاعلى وصلت الى درجة التهديد باستقلال في بعض الولايات، وصلت الى اعلان عن وجود جيوش محلية على درجة عالية من التنظيم الاحترافي، وكما يقول جيم ويلي القوات الامريكية المتواجدة في العراقوسوريا هي جزء من قوات لانغلي، وان هناك صراعا غير عادي بين الجيش (البنتاغون) وبين لانغلي (الاستخبارات، وقواتها السرية من المرتزقة) وبعد ان اعلن الجيش الامريكي انسحابه خلت الساحة لمرتزقة لانغلي، وعندما يحارب الجيش الامريكي (طائرات بدون طيار) ويقصف داعش، هو عمليا يحارب اذرع لانغلي. وما يحدث في ولاية ميزوري وفي بلدة فيرغسون الامريكية ليس كما يقولون شرطي ابيض قتل الشاب الاسود مايكل براون بست رصاصات واحدة في الرأس، وباجراء عنصري في مدينة غالبيتها من السود، وتلاها قتل سبعة آخرين، في ظل وجود رئيس امريكي قريب من هذا اللون، وانما الانفجار الداخلي له علاقة عملية بما يجري في الخارج من انغماس وعسكرة للسياسة الخارجية، خاصة وأن المحتجين ألقوا قنابل مولوتوف وزجاجات متفجرة واطلاق نار على قوات الحرس الامريكي ووضعوا المتاريس والحواجز، ورفعوا شعارات لها علاقة بالتمايزات الاجتماعية والاقتصادية، وقاموا بأعمال نهب وتخريب، ولهذا طبعا علاقة بمن خدموا في الجيش الامريكي في مناطق الصراعات والنزاعات العالمية، وخاصة بعدما اتخذ الجيش الامريكي قرارا بتخفيض عدد قواته وميزانيته، لكنه وعلى الطرف الاخر ضاعف ميزانية الاستخبارات الامريكية، ليكتشف الرئيس الامريكي اخيرا ان امن الولاياتالمتحدة داخلي، وأن مخططات التفتيت والحرب الاهلية في العراقوسوريا قد يكون لها عدوى داخلية.