دعا الرئيس الاميركي باراك اوباما الاربعاء الى القضاء على "سرطان" تنظيم دولة البغدادي وذلك قبل ساعات على اعلان واشنطن ان القوات الاميركية فشلت في عملية نفذتها في الصيف لانقاذ رهائن اميركيين يحتجزهم التنظيم المتطرف في سوريا. ويأتي هذا الاعلان غداة نشر دولة البغدادي (داعش) شريط فيديو يظهر فيه مسلح ملثم ينتمي للتنظيم وهو يقطع رأس الصحافي الاميركي جيمس فولي الذي خطف في سوريا في نهاية 2012. كما تضمن الشريط تهديدا من التنظيم بقتل رهينة اميركي آخر اذا تواصلت الغارات الجوية الاميركية في شمال العراق. وتواصل الطائرات الحربية الاميركية غاراتها الجوية ضد اهداف لتنظيم داعش في العراق. وبالرغم من التهديد بقتل الرهينة الثاني، قال اوباما "عندما يستهدف اميركيون في مكان ما نقوم بكل ما في وسعنا لاحقاق العدالة". وبعد تصريح اوباما طالبت وزارة الخارجية الاميركية بارسال 300 جندي اضافي الى العراق حيث ينتشر نحو 850 جنديا ومستشارا عسكريا لحماية المنشآت الاميركية. وبعد ذلك افاد مسؤولون وتقارير اعلامية ان القوات الاميركية حاولت انقاذ فولي ورهائن اميركيين آخرين يحتجزهم تنظيم داعش في سوريا ولكنها فشلت. ولم يحدد البيت الابيض والبنتاغون هويات الرهائن الذين كانت العملية تستهدف اطلاق سراحهم ولا عددهم. وقالت ليزا موناكو كبيرة مستشاري الرئيس باراك اوباما لشؤون مكافحة الارهاب انه "في وقت سابق خلال هذا الصيف اعطى الرئيس (باراك اوباما) موافقته على عملية ترمي الى انقاذ مواطنين اميركيين مختطفين ومحتجزين رغما عنهم من قبل تنظيم داعش في سوريا". واضافت في بيان ان "الحكومة الاميركية اعتقدت ان لديها ما يكفي من المعلومات الاستخبارية، وعندما حانت الفرصة اجاز الرئيس للبنتاغون بالشروع سريعا بتنفيذ عملية هدفها انقاذ مواطنينا". ولكن العملية فشلت "لان الرهائن لم يكونوا موجودين" في المكان الذي حددته الاستخبارات الاميركية، كما اضافت المسؤولة في البيت الابيض. من جهته قال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي ان عناصر من سلاحي الجو والبر شاركت في هذه العملية التي "كانت تركز على شبكة احتجاز محددة داخل تنظيم داعش". ولكن وسائل اعلام اميركية نقلت عن مسؤولين في ادارة اوباما ان فولي كان من بين الرهائن الذين هدفت عملية القوات الخاصة الاميركية لانقاذهم. وهي المرة الاولى التي تعلن فيها الولاياتالمتحدة عن عملية عسكرية من هذا النوع داخل سوريا منذ اندلاع النزاع في هذا البلد في مارس 2011. وفي فيديو اعدام فولي، قال المسلح الملثم ان اي اعتداء على داعش هو اعتداء على المسلمين الذين قبلوا بدولة "الخلافة". ونقلت صحيفة نيويورك تايمز ان التنظيم المتطرف كان طلب فدية من عشرات ملايين الدولارات مقابل اطلاق سراح فولي، ثم عمد الى قتله بعدما رفضت واشنطن دفع الفدية. واوضح الرئيس الاميركي انه تحدث الى عائلة فولي، مؤكدا ان قتله "صدم ضمير العالم اجمع". وقال اوباما ان تنظيم "داعش لا يتحدث باسم اي ديانة. ليس هناك ديانة تقول بذبح الابرياء. ان عقيدتهم فارغة"، داعيا الى التعبئة لتجنب انتشار هذا "السرطان". واضاف "لقد خطفوا نساء اخضعن للتعذيب والاغتصاب والعبودية. لقد اغتالوا مسلمين سنة وشيعة بالالاف. وهاجموا المسيحيين والاقليات الدينية الاخرى". وتعتقد الاستخبارات الاميركية ان الفيديو غير مفبرك. ومن جهتها عقدت الحكومة البريطانية اجتماعا عاجلا لاطلاق تحقيق حول مقتل فولي خصوصا ان قاتله كان يتحدث الانكليزية بلهجة بريطانية. وقال رئيس الحكومة ديفيد كاميرون للصحافيين "لم نحدد بعد هوية الشخص المسؤول عن هذا العمل، ولكن يرجح اكثر فاكثر انه مواطن بريطاني". ودعا والدا فولي جون وديان من امام منزلهما الى اطلاق سراح الرهائن. وقالت ديان "جيم لا يريدنا ان نكره. لا يمكن ان نفعل ذلك ونحن فخورون جدا بجيمي". ومن جهتها اعلنت القيادة الوسطى الاميركية عن شن 14 غارة جوية ضد اهداف لداعش خلال ال24 ساعة التي تلت نشر الفيديو. ودانت الاممالمتحدة والدول الاوروبية قتل فولي وحذرت فرنسا من ان العالم يواجه "الوضع الدولي الاخطر منذ 2001". وفي برلين، اكدت الحكومة الالمانية انها مستعدة لتزويد اكراد العراق بالاسلحة "في اسرع وقت ممكن". واعلن التنظيم المتطرف في يونيو قيام "الخلافة" بعدما سيطر على مناطق واسعة في شرق سوريا وشمال العراق. وبدورها عمدت واشنطن الى دعم القوات الكردية عبر الغارات الجوية لمنع تقدم المقاتلين المتطرفين نحو اربيل عاصمة كردستان العراق ولحماية الاقليات المهددة. توسيع الدور العسكري ويقول مسؤولون أمريكيون إنه من المستبعد أن يعمد الرئيس لتوسيع الدور العسكري الأمريكي في العراق أو سوريا وإنه قد يستمر في توجيه الضربات الجوية الأمريكية وذلك رغم الضجة التي أثارها ذبح الصحفي الأمريكي في الداخل والخارج. لكن عدة مسؤولين بالإدارة الأمريكية قالوا إنه لا توجد خطط لتغيير كبير في الحملة الأمريكية على مقاتلي داعش الذين استولوا على ثلث العراق منذ يونيو الماضي أو توسيع نطاق العمليات العسكرية لتشمل سوريا التي قويت فيها شوكة التنظيم خلال الحرب الأهلية. وقال مسؤول أمريكي اشترط عدم نشر اسمه "من منظور عسكري لا أعتقد أن ذلك سيغير من الأمر شيئا. فلم يكن الهدف العسكري قط إضعاف داعش". وأضاف "كان الهدف حماية أفراد أمريكيين ومنشآت أمريكية". ويؤكد قرار أوباما التغاضي عن توجيه رد عسكري مباشر على قتل فولي عزوف البيت الأبيض عن التورط أكثر من ذلك في العراقوسوريا. ومنذ بدأت الانتفاضة على حكم رئيس النظام السوري بشار الأسد في عام 2011 شدد البيت الأبيض على محدودية قدرات الولاياتالمتحدة في توجيه الأحداث في الشرق الأوسط رغم انتقادات وجهت لرده الضعيف على إزهاق الأرواح. وفي سوريا التي سقط فيها ما يقدر بنحو 170 ألف قتيل خلال ثلاث سنوات تجنب الرئيس الأمريكي استخدام القوة العسكرية حتى بعد اتهام الأسد باستخدام أسلحة كيماوية ضد المدنيين. بل إن المسؤولين الأمريكيين حاولوا التوسط في صفقة دبلوماسية بهدف التخلص من مخزونات سوريا من الأسلحة الكيماوية وحققوا نجاحا في هذا الصدد. وفي العراق حيث أنهى أوباما حربا قتل فيها ألوف الجنود الأمريكيين وكانت محور السياسة الخارجية الأمريكية على مدى ما يقرب من عقد لم يأمر البيت الأبيض بتوجيه ضربات جوية إلا بعد أن هدد المتطرفون بغداد نفسها. ومنذ الثامن من أغسطس بدأت الطائرات بلا طيار والمقاتلات الأمريكية مهاجمة العربات المدرعة وقطع المدفعية وغيرها من الأهداف لدى المقاتلين الجهاديين. ويقول مسؤولون أمريكيون إن الهدف هو حماية منشآت أمريكية في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراقي والمدنيين في المنطقة وليس تدمير داعش نفسها. وقال مسؤول أمريكي ثان "استراتيجيتنا هي مساعدة العراقيين على دفعهم للانسحاب من الاراضي التي كسبوها". ومع تزايد الضربات الأمريكية تزايدت تهديدات داعش للولايات المتحدة. ورغم وجود مخاوف منذ سنوات عديدة من أن يشن متطرفون يحملون جوازات سفر أوروبية أو أمريكية هجمات في الغرب فقد تحاشت الولاياتالمتحدة التدخل بشكل واضح في العراق وتركت للقوات العراقية التصدي للمتشددين وهو موقف أيدته استطلاعات الرأي العام عموما. فعلى سبيل المثال أظهر استطلاع لرويترز/ إيبسوس في يونيو أن 55% ممن شملهم الاستطلاع سيعترضون إذا تدخلت حكومة أوباما عسكريا في العراق. وأوضح الاستطلاع أن 20 في المئة فقط من الأمريكيين يؤيدون التدخل العسكري. ولم يتضح ما إذا كان مقتل فولي سيؤدي إلى تحول الرأي العام لكن يبدو أن تأييد العمل العسكري يتزايد. فقد أظهر استطلاع نشرت نتائجه هذا الأسبوع قبل نشر فيديو مقتل فولي أن أغلب الأمريكيين يقرون الضربات الجوية التي تشنها الطائرات الأمريكية في العراق وأن عددا متزايدا يرى أن الولاياتالمتحدة تقع على عاتقها مسؤولية التصرف في هذا الصدد. وفي حين أن فرص توسيع الدور الأمريكي تبدو ضئيلة في الوقت الحالي فإن احتمالات انزلاق الولاياتالمتحدة في الصراع في سورياوالعراق تتزايد مع تزايد خطر داعش. فربما يجبر ذلك المسؤولين الأمريكيين على إحياء الخيارات التي قدمها القادة العسكريون في السابق مثل توجيه ضربات جوية في سوريا. وربما تشمل الخيارات الأخرى استخدام الطائرات بلا طيار في مهاجمة مناطق في شرق سوريا لا يسيطر عليها الاسد مثلما يحدث في بعض مناطق باكستان واليمن. وقال جيمس جيفري الدبلوماسي المخضرم الذي كان سفيرا لأمريكا في العراق من 2010 إلى 2012 "أوباما ينجر إلى ذلك. فرفضه ببساطه لا يمكن الدفاع عنه".