هذه الأيام هناك أحاديث كثيرة في الإعلام عن المخربين ذوي الثروات الضخمة. في حين أن الفقراء لا يأتي أحد على ذكرهم بتلك الكثرة. قد تكون هناك صلة. التركيز على الثراء الفاحش يبدو أنه لتحويل الانتباه عن الظلم الاجتماعي الأكثر خطورة في الطرف الآخر من سلم الدخل. إذا ولدتَ في عائلة فقيرة في الولاياتالمتحدة، فإنك ستجد صعوبة أكثر في الصعود مما ستجد في كثير من البلدان الغنية الأخرى. وهذه هي حقيقة مقلقة للغاية، أو أنها ستكون كذلك، إذا استطاع المزيد من الأمريكيين أن يتمكنوا من جعل أنفسهم يصدقون ذلك. ان فرض ضرائب على الأغنياء بشكل أكبر قد يكون مرضياً لعدة أسباب، ولكن المضي قدماً في رفع وتحسين آفاق الناس في الجزء السفلي من السلم الاجتماعي ليس أحد تلك الأسباب. إذا كان العصف في النخبة الثرية لا يساعد المحرومين، فكيف يمكن مساعدتهم؟ نهج واحد هو دعم العاملين الفقراء بسخاء أكثر، وذلك باستخدام تسهيلات ائتمان من ضريبة الدخل المكتسب أو تدابير مماثلة. هذه هي فكرة جيدة. نهج آخر هو تحسين فرص الأطفال الفقراء من خلال مساعدتهم على تحقيق نتائج أفضل في المدارس والجامعات. وهذه هي فكرة جيدة أيضاً- على الرغم من صعوبة وضعها موضع التنفيذ. كما أشارت فيكتوريا ستيلويل، زميلتي في وكالة أنباء بلومبيرج، فإن الجدل حول عدم المساواة الذي بدأه توماس بيكيتي في كتابه «رأس المال في القرن الحادي والعشرين» أخرج رأس المال البشري من الصورة. هذه فجوة كبيرة، كما اعترف بيكيتي. عدم المساواة في رأس المال البشري- أي عدم المساواة في المهارات والقدرات الأخرى اللازمة لكسب العيش- واضحة في وقت مبكر وكثيراً ما تزداد سوءاً فقط. منح العاملين ذوي العدد القليل من المهارات الأموال على شكل صدقة يزيد، على حساب الآخرين، حصة الفقراء مما ينتجه الاقتصاد. وإن مساعدتهم في الحصول على رأس المال البشري يزيد من دخلهم أيضاً، ولكن من خلال جعل الاقتصاد ينتج المزيد. إذا أمكن مساعدة الفقراء على عمل أداء أفضل، يمكن أن يربح الجميع. تستشهد ستيلويل بورقة ببحث موجز جديد من تأليف إيزابيل سوهل وكوينتين كاربيلو من معهد بروكينغز. وهذه تشمل بعض الأرقام اللافتة للنظر. وفقاً لاستبيان البحث في المذكرة، ثبت أن التدخل لمساعدة الأطفال المحرومين يزيد الدخل طوال حياتهم بمقدار 10 أضعاف تقريباً أكبر من تكلفة التدخلات. (الكتاب يحسب التكلفة الإجمالية لكل طفل في البرامج الذي ينادون بها بأنه في حدود عشرين ألف دولار، وسيكون متوسط الزيادة في الدخل طوال عمر المستفيد حوالي 200 ألف دولار). لأن هؤلاء الذين يحصلون على المساعدة يدفعون ضرائب أو يتلقون مساعدات أقل من غيرهم، ناهيك عن الآثار المترتبة على الجريمة والأمراض الاجتماعية الأخرى، فإن دافعي الضرائب الآخرين يمكنهم أن يتوقعوا أنهم سيتقدمون عليهم. لكن هناك مشكلة في هذا التحليل. سوهل وكاربيلو شرحا أن العيب يميل لأن يستمر، وأن الجهود للتغلب عليه تتلاشى بسرعة إلا إذا كانت مستدامة. على سبيل المثال، مسح البحوث في البرامج الشاملة لمرحلة ما قبل المدرسة تشير إلى أنها تعمل بشكل جيد في البداية: وهي زيادة كمية تحصيل الأطفال الفقراء من «السلوك المدرسي المناسب» ومهارات معقولة في مرحلة قبل القراءة والرياضيات من 45 في المائة الى 59 في المئة. ولكن هذا المكسب ينكمش بمقدار الثلثين في غضون بضع سنوات، ويستمر في التناقص كلما تحرك الأطفال في خلال المدرسة. هذا لا يعني ألا نفعل ذلك. لدينا متابعة برامج ما قبل المدرسة الجيدة مع برامج الطفولة المتوسطة الجيدة (بما في ذلك الجهود الرامية إلى الحفاظ على التحسن في السلوك، وكشف وتصحيح صعوبات القراءة الصحيحة) وفيما بعد مع البرامج الجيدة للمراهقين (تهدف، على سبيل المثال، إلى الحد من معدلات التسرب). في كل مرحلة، يمكن لبرامج مصممة تصميماً جيداً أن تحقق آثاراً كبيرة ومهمة. ولكنها تحتاج الى سلسلة من التدخلات التعليمية، تستمر سنة بعد سنة ، لتؤثر بشكل كبير على الاحتمالات في مرحلة البلوغ المبكر وما بعدها. التكاليف والفوائد التي ذكرت في وقت سابق هي لمجموعة كاملة من السياسات التي حكمت عليها مجموعة من الباحثين الآخرين بأنها فعالة وتمت مناقشتها من قبل المؤلفين. مع عدم وجود تدخلات، فإن 43 في المائة من الأطفال الذين يولدون في أسر فقيرة يمكن أن يتوقعوا أن يصلوا إلى الطبقة الوسطى (أي أن يكون لديها دخل لا يقل عن ثلاثة أضعاف مستوى الفقر)؛ مع التسلسل الكامل، فهذا يرتفع إلى 58 في المائة. أما بدون تدخلات، فإن الفرق في «معدل النجاح» المذكور بين الأطفال الفقراء والأطفال غير الفقراء هو 21 نقطة مئوية؛ ومع التدخلات، يتم تقليص الفارق إلى 6 نقاط فقط. يختتم البحث تحليله بالملاحظة التالية: يمكن للبرامج القائمة على الأدلة الموجودة حالياً أن توفر الفرصة- وتقديم الدعم والتعزيز في كل مراحل الحياة، وهذه الحاجة لا تكلف أكثر مما كنا ننفق الآن، على الأقل حسب قياسها على مدى دورة حياة الطفل. في حين أننا يجب أن نتوصل الى تدخل واحد من شأنه أن يحسن بشكل كبير فرص الحياة للأطفال، وتشير أبحاثنا الى أننا لسنا بحاجة لانتظار واحدة ليتم اختراعها من أجل البدء في تحقيق تقدم حقيقي. للأسف، فنحن بحاجة إلى انتظار الناس للبدء في الاهتمام بالأسئلة الصحيحة.