أمير جازان يستقبل الفريق الاستشاري بمعهد الادارة العامة    أمير جازان يدشّن المرحلة الأولى من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال    نهاية الفصل الدراسي الثاني غداً.. والإجازة 9 أيام    معرض جازان للكتاب ٢٠٢٥.. العرس الثقافي الكبير في حضرة الأمير    أدبي جازان يدعو إلى حضور فعاليات يوم التأسيس    "العتودي" وكيلًا لمحافظة بيش    سنواصل العمل على تهيئة الظروف للقاء بوتين وترمب.. وزير الخارجية الروسي: مباحثات الرياض مثمرة    مساعد بوتين: اللقاء مع المسؤولين الأمريكيين كان بنّاءً    القمة العربية الطارئة 4 مارس المقبل.. السيسي يبحث خطة إعمار غزة    هنأت رئيس جمهورية جامبيا بذكرى استقلال بلاده.. القيادة تهنئ ملك الأردن بنجاح العملية الجراحية    الهلال يعبر الوصل بثنائية.. ويتصدر النخبة الآسيوية    استعرض معهما العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها.. ولي العهد يبحث مع وزيري خارجية روسيا وأمريكا المستجدات الإقليمية والدولية    بتوجيه من سمو ولي العهد.. استضافة محادثات بين روسيا وأمريكا.. مملكة الأمن والسلام العالمي    ( 3-1) السعودية محط أنظار العالم    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد: استضافة المحادثات الأمريكية- الروسية تعزيز للأمن والسلام في العالم    نقل تحيات القيادة الرشيدة للمشاركين في المؤتمر العالمي لسلامة الطرق.. وزير الداخلية: السعودية حريصة على تحسين السلامة المرورية بتدابير متقدمة    «البعوض» يساهم في فك لغز جرائم السرقة    ولي العهد ورئيس صندوق الاستثمارات الروسي يستعرضان مجالات التنسيق الثنائية بين البلدين    الموارد البشرية: بدء سريان تعديلات نظام العمل اليوم    مهرجان البحر الأحمر يكشف عن مواعيد دورته الخامسة    ميزة الكتب عن غيرها    زوجة نجم تركي شهير تهدد أسرته بالحرق    "فضيلة مفوض الإفتاء بمنطقة حائل": يلقي محاضرة بعنوان"أثر القرآن الكريم في تحقيق الأمن والإيمان"    تعليمات هامة لمنسوبي المساجد خلال شهر رمضان    نظرة عن سلبيات وإيجابيات الذكاء الاصطناعي    سماعات الرأس تزيد الاضطرابات العصبية    أمير المدينة يتفقد مستشفى الحرس.. ويلتقي أهالي المهد    سعود بن خالد الفيصل كفاءة القيادة وقامة الاخلاق    «إغاثي الملك سلمان» سلامةٌ وغذاءٌ في أربع دول    منتجو أوبك+ لا يفكرون في تأجيل الزيادات الشهرية في إمدادات النفط    «قصر الدرعية» رمز تاريخي وشاهد سلام عالمي    الإمارة و«ملكية الرياض» تنظمان فعالية يوم التأسيس    «ملكية العُلا» تطلق أول أكاديمية للتعلم مدى الحياة    اقتصادات النمور تفقد زئيرها    أمير الشرقية يكرم الفائزات بجائزة الأم المثالية    الملك يرعى مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية"    مدير الجوازات يتفقد العمل بالقصيم    أمير الرياض يتسلم تقرير جامعة المجمعة.. ويُعزي السليم    طبية الملك سعود تختتم «المؤتمر الدولي السابع للأورام»    في افتتاح كأس نخبة الطائرة للسيدات .. النصر يتغلّب على الفيحاء    محافظ محايل يتفقد مشروع مستشفى الحياة الوطني بالمحافظة    ما أشد أنواع الألم البشري قسوة ؟    توقيع اتفاقية إنشاء مشروع Nexus الغدير التجاري الفندقي المكتبي بقيمة تتجاوز المليار ريال في معرض ريستاتكس 2025    مصر كلها حاجة حلوة    ما هكذا يورد الطيران يا توني!    قطار تنمية الرياض !    المملكة تجدد دعوتها لإصلاح مجلس الأمن ليكون أكثر عدالةً في تمثيل الواقع الحالي    المحادثات الروسية - الأمريكية.. والحليف السعودي للسلام والتنمية    ميلان يودع «أبطال أوروبا» بعد التعادل مع فينورد في الملحق المؤهل لدور ال16    (ساهر).. مُقترحات نحو تطبيقٍ أفضل    لموسمين على التوالي.. جدة تستضيف الأدوار النهائية من دوري أبطال آسيا للنخبة    الاتفاق يتعادل إيجابياً مع القادسية الكويتي في أبطال الخليج    جدة تشهد الأدوار النهائية من دوري أبطال آسيا للنخبة    السعودية تضيء سماء السياسة الدولية بجرأة    نائب أمير منطقة مكة يطلع على جاهزية الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن برمضان    تحت رعاية خادم الحرمين.. رابطة العالم الإسلامي تنظم النسخة الثانية لمؤتمر «بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية» في مكة    أمير المدينة يلتقي بقائد القوات الخاصة للأمن والحماية    حبة البركة تخفض ضغط الدم    









موازنة لبنان: التسييس بعيداً عن المؤشرات العلمية
نشر في الحياة يوم 02 - 06 - 2012

لا يختلف اثنان على أن الإنفاق العام عندما يسيَّس يصبح خطراً على الاقتصاد والعباد، والمقصود بتسييس الإنفاق العام هو عدم الأخذ في الاعتبار المؤشرات الكلية للاقتصاد، من نمو اقتصادي وعجز ومديونية، ومحاولة الاستجابة على نحو ما إلى المطالب الشعبوية والقواعد الانتخابية، وهو ما يحيل المالية العامة إلى أحد الأدوات السياسية بيد صناع القرار بدلاً من كونها أداة لتحسين أداء الاقتصاد الكلي. وفي لبنان ومنذ 2005 لم تقَر الموازنات بالصيغة النهائية (الحساب الختامي) لاستخلاص دروس وعبر منها، وبات الإنفاق العام شبيه بالسنوات التي تسبقه لجهة تركيبه ولجهة التكرار من دون إيلاء الأهمية اللازمة والكافية للأغراض التنموية للإنفاق العام.
وموازنة عام 2012 الذي يقترب من منتصفه لا تختلف عن موازنات السنوات السابقة سوى في حجم التوسع في الإنفاق بما يعكس زيادة الطلب على الإنفاق العام والخدمات المطلوبة من الدولة، وكذلك الحاجة لإدامة البنية التحتية والنفقات المرافقة, وبالطبع ترافق ذلك ديباجة تقليدية حول متغيرات الاقتصاد الكلي وأهمية الإنفاق بتحقيق التوازن المناطقي والاجتماعي. ولا تبتعد ديباجة موازنة 2012 عن هذه الأهداف التي يصعب الاختلاف حولها، فنجد وزير المال محمد الصفدي يشدد على أن مشروع موازنته سيدعم الفئات الفقيرة وذات الدخل المحدود في المجتمع إذ ستعاد هيكلة الدعم والانتقال إلى دعم الفقراء والمحتاجين مباشرة بدلاً من دعم السلع التي يستهلكها الجميع بغض النظر عن مستوى دخولهم.
وهنا يبرز التساؤل حول كيفية هذا التعديل والقدرات المؤسسية التي تتوافر في وزارة المال لتنفيذ هذا الوعد الذي يعتبَر خطوة في الاتجاه الصحيح إذا رافقته خطوات واضحة لكيفية إيصال الدعم إلى مستحقيه بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والمناطقية. ومن ضمن الإطار الاجتماعي ذاته ستزيد الحكومة مخصصات وزارة الصحة لغايات تحسين خدماتها وتوسيع المظلة لتشمل أعداداً أكبر من المستفيدين، وهذا يأتي في سياق البعد الاجتماعي الذي يسبق قرارات مهمة تتعلق بالإيرادات اللازمة لتغطية هذه النفقات ومصادر هذه الإيرادات.
قبل ذلك هناك النفقات الرأسمالية التي ستزيد بنسبة كبيرة جداً تصل إلى 65 في المئة، وهي نسبة غير مسبوقة وتعتبَر مرتفعة. وعلى رغم وجود حاجة ماسة إلى زيادة كهذه في الإنفاق الرأسمالي، من غير الواضح كيف ستوزَّع هذه النفقات، وهل ستربَط بمجموعة من الأهداف التي يمكن التوافق عليها في ظل الانقسام السياسي السائد، وهل الوقت مناسب للدولة كي تتوسع في بند النفقات الرأسمالية وتزيد الضرائب على عدد من القطاعات مثل المصارف، أو ضريبة القيمة المضافة التي تعتزم رفعها من 10 إلى 12 في المئة؟
تبرز هذه التساؤلات في ظل عدد من الحقائق التي تميز الأداء المالي في لبنان، فبداية لا تتميز بنود الإنفاق في الموازنة اللبنانية بالمرونة، فبندا الرواتب والأجور ومخصصات بعض القطاعات مثل الكهرباء تستهلك النسبة الأكبر من الإنفاق الجاري، وهذه البنود لا يوجد مجال كبير لخفضها أو إعادة هيكلتها، بل على العكس فإن الزيادة في الأجور بنسبة 31 في المئة والتي تحققت خلال العام الماضي، زادت من نسبة الإنفاق على الأجور كنسبة من الإنفاق العام وهو ما يجعل من الصعب التحكم بقرارات الإنفاق العام تجاه كبحها.
الحقيقة الثانية أن الموازنة أعِدّت من دون وجود برامج واضحة للأولويات. فهل الهدف منها دعم النمو الاقتصادي، أم دعم قطاعات معينة، أم مزيد من الهدفين اللذين لا يتقاطعان بالضرورة، وهذا واضح من خلال مراجعة بعض المقترحات التي تشير مثلاً إلى زيادة الضريبة على فوائد الودائع المصرفية من خمسة إلى سبعة في المئة، في حين أدرجت ضريبة بنسبة أربعة في المئة على إيرادات البيوع للعقارات المملوكة قبل اليوم الأول من 2009 وبنسبة 15 في المئة على أرباح البيوع المملوكة بعد هذا التاريخ؟ يأتي هذا في ظل أوضاع إقليمية غير مستقرة، وفي وقت تبحث رؤوس الأموال سواء القادمة من سورية أو غيرها من الدول عن ملاذات آمنة، فهل هذا هو القرار السليم في هذه الفترة، وكيف سينعكس قرار كهذا على أداء المالية العامة، وهل احتسب الأثر المترتب على زيادة كهذه في المدى القصير وكيف سيساهم ذلك في خفض العجز المقدر بنحو 7.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي؟
أما الحقيقة الثالثة فهي ترتبط بالجهد المبذول لتقويم الإنفاق العام وجدواه، فهناك إنفاق عام يتسع عاماً بعد آخر وتضطر الحكومة من وقت إلى آخر إلى إقرار موازنات طارئة وإضافية لتسيير شؤون الإنفاق العام، لكن عمليات التقويم اللاحقة للإنفاق وكيف يمكن تحسينه لا تدخل من ضمن نطاق البحث الذي يعتبَر ضرورياً كي تصبح الموازنة أكثر شفافية وقدرة على الاستجابة لمتطلبات الجمهور. كذلك من الضروري وضع بعض المؤشرات المحددة التي يمكن قياسها لرصد الفائدة من الإنفاق العام بالنسبة إلى بعض البرامج.
في المجمل لا يمكن قراءة موازنة 2012 في شكل يختلف كثيراً عن موازنات السنوات السابقة، فهي محكومة بالاعتبارات ذاتها، لكنها تأتي في وقت يمر فيه الاقتصاد بفترة تباطؤ يتوقع معها بلوغ نسبة النمو نحو ثلاثة في المئة مقارنة بخمسة في المئة كانت متوقعة قبلاً، ما يعني مزيداً من الضغط على بنود الموازنة، وهذا يفسر الزيادة المقترحة في ضريبة القيمة المضافة والضرائب الأخرى المقترحة، لكن فرض ضرائب إضافية في فترات التباطؤ وعدم وضوح الرؤية الاقتصادية في ما يخص الإنفاق العام قد يشكلان مدخلاً إلى دورة أخرى من الهبوط ستضطر الحكومة معها إلى التعاطي مع أوضاع كان يمكن تلافيها.
كذلك وكمقترح لإخراج المالية العامة من التجاذبات السياسية يمكن تشكيل مجلس مستقل يضع الخطوط العامة والأولويات التي يمكن الرجوع إليها عند تحديد حجم الإنفاق العام والمديونية والمؤشرات كما هي الحال في دول مثل استراليا أو جنوب أفريقيا. ومن شأن هذا أن يمنح المالية مصداقية ويؤسس لمرحلة جديدة من إدارة المالية العامة يفتقدها لبنان منذ سنوات.
 * باحث اقتصادي في «مركز كارنيغي للشرق الأوسط» - بيروت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.