لا أجدني راغبا في كتابة شيء عن العيد، وعصابات داعش الإرهابية تعيث إجراما بأهلنا في العراق وسوريا وغيرهما من البلدان، وأخوها العدو الصهيوني يعيث إجراما بأهلنا في فلسطين، والخطوب المنتشرة في عدد من الأقطار العربية والإسلامية تفسد فرحة العيد والشعور به. ورحم الله أبا البقاء الرندي الذي لازالت (نونيته) الخالدة ترن وتضج في المشهد العربي منذ زمنه حتى الآن: هي الأمورُ كما شاهَدْتُها دُوَلٌ مَنْ سَرَّهُ زمنٌ ساءته أزمان ُ لكن -رغم ذلك كله- يبقى العيد مناسبة كبيرة للمسلمين بعد أداء فريضة الصوم، وهنا أدعو القارئ الكريم لاستعراض شيء من الذكريات والأهازيج الخاصة التي حاولت رصدها عن هذه المناسبة، ريثما تنتهي إجازة العيد لندخل في موضوعات أخرى تحاكي الأوضاع الراهنة داخليا وعربيا. ففي ليلة العيد يحضر شعور غريب مشوب بأحاسيس خاصة لدى الكبير والصغير، لدرجة أنه لا يمكن للقلم أن يوثقها أبدا. ليلة العيد هي ليلة التعب الجميل و(الطراد) المتلاحق و(الصراخ) المقبول، وليلة يحس فيها الطفل، والفتى، والمراهق، والرجل أيضا بشيء من الاستقلالية حينما يقوم باستلام ملابسه الجديدة وملحقاتها و(إكسسواراتها) من عطر وطاقية بيضاء وحذاء جديد وغيره، أو على الأقل تعيين مكانها من المنزل لارتدائها بعد صلاة العيد مباشرة، وفيها كنا ننشد بلحن حداء، وبمنتهى البراءة: باكر العيد ونذبح الناقة .. نادوا (عويس)،ونكسر ساقه باكر العيد،ونذبح لبقرة.. نادوا (عويس) متين الخنفرة ! هكذا توارثنا -في بلدة القارَة بالأحساء- هذه الأهزوجة الساخرة الطريفة الدموية القاسية مع انتظار العيد، في تناقض عجيب، و(عويس) قد يكون شخصا شريرا ومكروها في الحارة. أما يوم العيد فبخلاف معظم المظاهر الراهنة التي انمحى منها -للأسف- كل شكل جميل من أشكال احتضان العيد في أيامنا.. لكنه رغم ذلك يبقى له ذلك الشعور الخاص الذي يهيمن على كل فرد، وفيه كنا نردد على الأرجوحة (الدروفة): كَرّوز أمي مليته، اخذيته ودعبليته في غرفتي المبنية فيها حسن عطية. عطية واشحمتها اشحمتها راس بطة يالعنبو من حطه، ما حطته إلا اعديوة ... إلخ أو أن تقال بأهزوجة أخرى تلتقي مع السابقة بشكل آخر هو: شاط شاط البطة يالعنبو من حطه، ما حطته إلا اعديوة، وعديوة راحت البر، وتجيب حب أحمر.. وتدقه في صفاية صفاية بيت خالي يا معضدي واهلالي دقوا الفرس والناقة واجحيش أبو طرباقة يا رمانة العيدي أفصلها وازيدي .... واشخل عليها المنخل شخل شخل يامنخل إمي تناديني على غضر صيني تبي تحنيني في اغضيرة الصيني صيني على صيني يا ربي تعطيني واحج بيت الله وأزور نبي الله وبالطبع لن ندقق في معاني وسياقات وصور ونظم هذه الأهازيج؛ لأننا توارثناها عن أسلافنا ولم يعلمونا معانيها لكن حاولت بقدر ما استطيع وأتذكر أن أرصد في الهامش معاني بعض الكلمات لهذه الأناشيد البريئة، المصنفة لأن تكون لأطفال ذلك العصر، ولمناسبة العيد فحسب. هذه بعض ذكريات وأهازيج العيد. وقبل أن أصل إلى السطر الأخير من الموضوع أود أن أشير إلى أن عبارة:(كل عام وأنتم بخير) لم تكن معروفة في قرى الأحساء (على الأقل) حتى بداية التسعينيات الهجرية، والسبعينيات الميلادية المنصرمة، إذ أنها من العبارات العصرية الوافدة، بل كانت التهنئة عبارات أخرى عديدة ك( عيدكم مبارك) و(عساكم من عواده) وغيرهما ،أما معاني كلمات الأهزوجة فهي: الكروز : هو إبريق من الفخار له أصبع فوق صدره. ومليته:أي ملأته بالماء وأخذيته:أخذته ودعبليته :سفكت ماءه عديوة:تصغير عدوّة،أي امرأة عدوة لنا... شاط: بمعنى شوط