للشعر مكانة رفيعة خاصة عند القبائل العربية قبل الإسلام وبعده، فكان إذا نبغ شاعرٌ تحتفل به قبيلته، وتدق له طبول الفرح وتتباهى به عند القبائل الأخرى ويكون أعظم درجة من رئيسها وفارسها، وذلك أنه يمجّد قبيلته ويرفع من قيمتها عند أعدائها وعند القبائل الأخرى ويحط من قيمة أعدائها، فهو المنافح والمدافع عنها وهو الذي يسجّل لها تاريخ مفاخرها وأمجادها ويباهي بمآثرها ويعظم من شأنها ويهِّول على أعدائها. يقول الجاحظ «كانت العرب تحتال في تخليدها بأن تعتمد على الشعر الموزون والكلام المقفى، وكان ذلك هو ديوانها، وعلى أن الشعر يفيد فضيلة البيان»، ومن أهمية الشاعر عند القبيلة أن أعداءها يتوددون إلى قبيلته مخافة من هجائه.. من لا يتذكر بيت المتنبي الشهير: عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ فمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ ورغم أن هذه القصيدة قصيدة هجاء إلاّ أنها أخذت شهرة واسعة كقصيدة متداولة في الأعياد، وتجسد فيها الحزن جليا ذلك أن الشاعر إنسان مرهف مهما حاول إخفاء حزنه وألمه إلاّ أن حروف قصيدته تأبى إلاّ أن تعبر عن مكنوناته، وكانت القبائل في ذلك العصر تحارب أعداءها بالشعر قبل السيف. يقول الجاحظ «وهل أهلك عَنَزة وجَرماً وعُكلا وسَلول وباهلة وغنياً إلا الهجاء» ويحكى عن الأعشى أنه لم يمدح قوماً إلا رفعهم ولم يهج قوماً إلا وضعهم، ولم يملك الشعراء في بداية انتشار الإسلام وسيلة عظيمة لتخليد أفراحهم ومناسباتهم كالشعر، فتسابق الشعراء للتغني بالعيد.. يتجسد فضل العيد في قصيدة لابن الرومي وهو الشاعر الذي عرف عنه التشاؤم والانغلاق، الناقم على الحياة بسبب ما ناله من مصائبها، يقول: ولما انقضى شهر الصيام بفضله تجلَّى هلالُ العيدِ من جانبِ الغربِ كحاجبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه يشيرُ لنا بالرمز للأكْلِ والشُّرْبِ يقول ابن المعتز خليفة اليوم والليلة: أهلاً بفِطْرٍ قد أنافَ هلالُه فالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبَكِّرِ وانظرْ إليه كزورقٍ من فِضَّةٍ قد أثقلتْهُ حمولةٌ من عَنْبَرِ ويعتبر العيد مادة خصبة للشعراء وقد تفاوت إحساس الشعراء به قوة وضعفا، عبادة وعادة، وأخذ هذا الاهتمام مظاهر كثيرة، تهنئة البحتريّ للخليفة العباسي المتوكل بعد انتهاء شهر الصيام: بالبر صمت وأنت أفضل صائم وبسنة الله الرضية تفطر فأنعم بعيد الفطر عيداً إنه يوم أغرُّ من الزمان مشهّر ويبث الشاعر العراقي دكتور السيد مصطفى جمال الدين شكوى أيام صباه الأولي في قصيدة رائعة قال فيها: يا عيدُ عرِّجْ فقد طالَ الظّما وجَفَتْ تِلكَ السنونُ التي كم أيْنَعَتْ عِنَبا وأيضا تصوير الشاعر عمر بهاء الدين الأميري لحالة الأمة الإسلامية: يقولونَ لي: عيدٌ سعيدٌ وإنَّهُ ليومُ حسابٍ لو نحسُّ ونشعرُ أعيدٌ سعيدٌ!! يالها من سعادةٍ وأوطانُنا فيها الشقاءُ يزمجرُ وجانب العبادة وتذكر يوم الجزاء، حكى أبي إسحاق الإلبيري: ما عيدك الفخم إلا يوم يغفر لك لا أن تجرَّ به مستكبراً حللك كم من جديد ثيابٍ دينه خلق تكاد تعلنه الأقطار حيث سلك وللجانب العاطفي نصيب فها هو إيليا أبي ماضي يتغنى بالحبيبة فيقول: أيّ شيء في العيد أهدي إليك يا ملاكي، وكلّ شيء لديك؟ أسوار؟ أم دملجا من نضار؟ لا أحبّ القيود في معصميك وقال «ابن معتوق» في بعضهم في التهنئة بالعيد: ليهنكَ بعدَ صومكَ عيدُ فطرٍ يريكَ بقلبِ حاسدكَ انفطارا أتاكَ وفوقَ غرَّتهِ هلالٌ إذا قابلتهُ خجلًا توارى وقال ابن عبدربه الأندلسي: بدا الهِلالُ جَديداً والمُلكُ غَضٌّ جديدُ يا نِعْمَةَ اللّهِ زِيدِي إنْ كانَ فيكِ مَزيدُ فمنهم من كان أسيرًا يوم العيد، وهل هناك أشدُّ حزنًا كأسيرٍ يومَ العيد؟ هذا ما حصل مع الشاعر أبي فراس الحمداني الذي حضره العيد، وهو أسيرٌ ببلد الروم فقال: يا عيدُ ما جئتَ بمحبوبِ على مُعَنَّى القلبِ مكروبِ يا عيدُ قد عدتَ على ناظرٍ عن كل حسنٍ فيكَ محجوبِ الشاعر قيصر سليم الخوري عندما وصف حرمان طفله في العيد، وبكاءَ أمه بعدما عاينت ذلك المشهدَ، فيقول: رأى بُنَيَّ صغارَ الحيّ قد غنموا في ليلة العيد أشياءً وما غنما وجاءَ يسأل مالاً لستُ أملكُهُ ولو أتى طالبًا روحي لما حُرما