فهمت بتجربة مباشرة قدر العداء بين الأوروجواي والأرجنتين قبل 34 عاماً، حين اعتبرت صورة لمارادونا يمكن أن تسهل مروري من زحام مطار مونتيفيديو، فإذا بها تعطلني ساعات، وكنت أظن أن مارادونا النجم الساطع في ذاك الوقت عالمياً سيكون بالقدر نفسه لاتينياً، وعندما بحثت في أسباب الخصومة وجدت في الجذور معارك حربية أيام الاحتلال الإسباني، ومعارك كروية ثأرية منذ خسرت الأرجنتين أمام أوروجواي في نهائي أولمبياد 1928 ثم في نهائي كأس العالم 1930، وهي البطولة التي شهدت شغباً من جماهير الأرجنتين. أثناء مباراة هولنداوالأرجنتين، كان الجمهور البرازيلي يشجع الطرف الأوروبي.. لماذا؟ بداية أود أن أشير إلى أن معظم أندية العالم تأسست لأسباب سياسية، أو اجتماعية، أو دينية، أو عائلية، ومعظم الدربيات والخصومات، تعود إلى أسباب التأسيس، ثم تأتي الخصومة التقليدية التي تفرضها المنافسة، فعندما يكون خصمان على القدر نفسه من القوة فإن ذلك يصنع أفضل دراما، وهذا في الحياة وفي الفن والسينما وفي كرة القدم أيضاً، والمنافسة بين البرازيلوالأرجنتين في اللعبة معروفة سواء على مستوى كوباأمريكا أو الأندية، ومنذ أن التقيا لأول مرة معاً عام 1914، ومن مظاهر تجسيد تلك الخصومة، هذا الإعلان الشهير الذي يظهر فيه مارادونا وهو يشدو بالنشيد الوطني البرازيلي قبل بدء مباراة بجوار كاكا ورونالدو ثم يستيقظ من الكابوس. ولا تعود جذور الخصومة بين البلدين الجارتين إلى مباريات كرة القدم فقط، وإنما هناك ما هو أبعد من ذلك، إنها الحرب، حرب شهيرة في التاريخ اندلعت عام 1821 بين البلدين وعرفت بحرب الخمسمائة يوم، وكانت بسبب الأرض، احتلال الأرض، ولاحظ أن فلسفة كرة القدم من الناحية العسكرية تقوم على فكرة احتلال أرض الخصم، نعم الصراع بين فريقين يكون بهدف احتلال أرض المنافس، وعندما يحتل فريق أرض خصمه فإنه يحقق هدفه ويفوز غالباً، فالفريق المدافع، والمتراجع، لا يحقق الفوز دائماً، ولعل هذا يفسر أسباب الخصومة بين البرازيل وبين الأرجنتين، ويجيب على السؤال: لماذا شجع البرازيليون منتخب هولندا أمام الأرجنتين؟!. لكن الإنجليز يطرحون سؤالاً أطرف في السياق التالي: «ألمانياوالأرجنتين فريقان نكرههما، أو نحب أن نكرههما. فأيهما سنشجع في المباراة النهائية؟.» أذكر أن المدرب السويدي أريكسون حين كان يتولى قيادة منتخب إنجلترا في كأس العالم 2006 التي أقيمت في ألمانيا طالب المشجعين الإنجليز بعدم غناء أغنية عنوانها: «10 قاذفات ألمانية»، وكانت من أغنيات الحرب العالمية الثانية التي رددها الإنجليز، وقال أريكسون مبرراً طلبه: لا نريد أن نسبب إحراجاً للألمان. إن ما سبق، وغيره الكثير جداً، يقول إن كرة القدم ليست مجرد لعبة في حياة الشعوب، هي كل هذا وأكثر.