لم يكن لأحد أن يتخيل أن تحقق البرازيل هذا النجاح الهائل في تنظيم المونديال، لا على المستوى الاقتصادي ولا حتى الرياضي، نظرًا للمشاكل الكثيرة التي رافقت الاستعدادات، والتأخر في تسليم الملاعب، إضافة إلى المشاكل الأمنية، والاحتجاجات المشوبة بالعنف. لكن الأسابيع الثلاثة الأولى كانت رائعة فيما يتعلق بالأمور اللوجستية لينتشر جو يعمه البهجة تماشى تمامًا مع الإثارة التي قدمها اللاعبون خلال المباريات، ولتتحول بعدها الانطباعات عن البلد صاحبة الضيافة 180 درجة. مخاوف كبيرة وقبل بداية البطولة، ثارت مخاوف هائلة لدى الكثير من الفرق والضيوف بل والمنظمين أنفسهم خشية تكرار ما شهدته بطولة كأس القارات 2013 من احتجاجات عنيفة شابها بعض العنف والتخريب بسبب اعتراض البرازيليين على إنفاق المليارات من أجل الاستعداد للمونديال البرازيلي ودورة الألعاب الأولمبية (ريو 2016) المقررة في ريو دي جانيرو بعد عامين فقط. وكانت الاعتراضات نابعة من البذخ الحكومي في الانفاق على استعدادات المونديال والأولمبياد بدلا من إنفاقها على تحسين بعض مجالات الحياة مثل الصحة والتعليم والنقل والمواصلات، والتي تجاوزت 13.5 مليار دولار. وتضاعفت هذه المخاوف في الأيام الأخيرة قبل انطلاق فعاليات البطولة بسبب إضراب العاملين في عدد من المجالات وخاصة في شبكات المترو والتي تسببت في توقف حركة الحياة بشكل كبير في مدن كبيرة مثل ساو باولو نظرًا لرغبة العاملين والموظفين في تحسين أحوالهم المعيشية من خلال رفع الرواتب. تهدئة الأوضاع لكن وعي البرازيليين بأهمية الحدث وضرورة الظهور بأفضل صورة ممكنة أمام الزائرين الذين توافدوا على بلادهم من كل مكان في العالم لمتابعة المونديال دفعهم لتعليق الاحتجاجات والإضرابات لحين الانتهاء من المونديال. وساهم في تهدئة الأوضاع انتصارات المنتخب البرازيلي في البطولة، كما أظهرت البرازيل قدرتها الفائقة على توفير الأمن والحد من الجريمة في البطولة، بصورة قدمت البرازيل السياحية في أبهى صورة، مما سيساعد على إنعاش اقتصادها من عائدات السياحة لسنوات مقبلة، فقد اختفت من وسائل الإعلام الصورة الذهنية القديمة عن شوارع البرازيل غير الآمنة أو التي تمتلئ بعصابات السرقة بالإكراه وغيرها، وظهرت بدلا منها صورة الشوارع النظيفة وناطحات السحاب العملاقة والمناظر الطبيعية الخلابة والشعب الودود. تأثير ملحوظ وكان تأثير البطولة على المدن المستضيفة للمباريات هذا العام ملحوظا. حيث قللت العطلات التي منحتها المجالس البلدية في أيام المباريات من الزحام المروري وسهلت سبل الوصول للاستادات. كما تراجعت أيضًا على نحو حاد حركة السفر في قطاع الأعمال مما قلل حركة الطيران في البرازيل بنحو 15% خلال البطولة وخفف العبء على المطارات. وكسبت بعض المدن البرازيلية من خلال هذه البطولة بعض المنشآت والبنى التحتية الجديدة فحصلت مدينة ناتال على مطار جديد وأصبحت الطرق أكثر سلاسة وأقل ازدحاما بعد إنشاء طرق جديدة. كما ساعد كأس العالم وتنظيمه بالبرازيل على زيادة التعاون بين الشرطة، والدفاع المدني ورجال الإطفاء وهو ما ساعد على تقليل حجم الخسائر من جراء الفيضانات إضافة إلى البدء في إنشاء نظام صرف جديد في المدن البرازيلية. انتعاش اقتصادي وعلى المستوى الاقتصادي ساهم المونديال في إحداث انتعاش على المستوى الاقتصادي في كافة المدن التي استضافت مباريات المونديال، فقد أعلنت الدوائر الرسمية المتخصصة عن أرقام تثلج الصدر منها تدفق ست مائة ألف سائح في الأسبوع الأول فقط قدموا من مائة وستة وثمانين دولة وشغلوا الفنادق في ثلاث مدن رئيسة وهي ساو باولو التي شهدت حفل الافتتاح وريو دي جانيرو وبيلو هوريزنتي، ومعظم هؤلاء السواح قدموا من الامريكيتين الشمالية والجنوبية وخاصة من الدول المتاخمة. كما شهدت الأيام الثلاثة الأولى تسجيل مكاسب بلغت خمسين مليون دولار في ريو دي جانيرو لوحدها وأشارت الأرقام الى وصول نحو خمسين ألف أرجنتيني لحضور مباريات منتخب بلادها. وأشار تقرير لشركة "فيزا" العالمية للبطاقات الائتمانية والذي يحلّل بيانات السفر وإنفاق المسافرين من خلال كل منتجات فيزا والتي تشمل بطاقات الائتمان والحسم والبطاقات مسبقة الدفع؛ إلى أن حجم إنفاق الزوار العالميين على حساباتهم الخاصة ببطاقات فيزا خلال فترة الدور الأول من المونديال بلغت 188 مليون دولار. بدوره أعلن وزير السياحة البرازيلي إلى أن سياح البرازيل خلال المونديال أنفقوا خلال الدور الأول فقط نحو 365 مليون دولار، إضافة إلى أن المونديال وفر بالفعل مليون وظيفة، وساهم بإحداث حركة اقتصادية رائعة على كافة الاصعدة والمستويات في المطاعم والفنادق، وحركة المواصلات، والاتصالات، وغيرها الكثير. وتوقعت وزارة السياحة زيادة 3 مليارات دولار من العوائد السياحية خلال البطولة مع 300 ألف سائح زيادة للبلاد عن العام الماضي مع وصول الجماهير من شتى بقاع الأرض لمتابعة المونديال مع أراضي وملاعب السامبا. الأفضل في التاريخ وعلى الصعيد الرياضي يعتبر مونديال البرازيل واحدًا من أفضل البطولات المونديالية التي لعبت في التاريخ من حيث الأداء أو الغزارة التهديفية بجانب الحضور الجماهيري منقطع النظير في معظم المباريات وامتلاء المدرجات عن آخرها.