ينفعل المدربون اكثر من اللاعبين احيانا، وتكون ردات فعل بعضهم مبالغ فيها في اوقات كثيرة، لكن القاسم المشترك بين اكثرية المدربين هو بركان النشاط الذي يمكنه الانفجار في اي لحظة، سواء الرائعة بحال تسجيل الهدف، او بحال الخطأ مثلا ضد احد اللاعبين. وبما ان المدربين الثائرين يشكلون السواد الاعظم، نستعرض احدى الحالات الاكثر هدوءا في ملاعب كرة القدم، وتتعلق بمدرب منتخب الارجنتين اليخاندرو سابيلا. بهدوء تام يقف على خط الملعب، يوجه اللاعبين بطريقة اقرب الى الصمت، قليل الاعتراض على قرارات الحكام، صاحب تركيز عال وفكر تكتيكي منظم جدا، ولا يهمه ما يكتب، وهل ما قيل في الصحف بعد المباراة الاولى من ان سابيلا رضخ لنجم المنتخب ليونيل ميسي في اعتماد طريقة اللعب التي لم تكن مناسبة في المباراة الاولى امام البوسنة يعد امرا هينا على مدرب في كأس العالم، لكن سابيلا غير التكتيك ولم يغير صفاته الهادئة. يفضل هذا المدرب طريقة 3-5-2 التي بدأ بها المونديال، واعتمد عليها في الشوط الاول امام البوسنة، لكنه بدلها الى الطريقة المعهودة عند معظم المنتخبات 4-4-2، وقيل بعد المباراة ان ميسي كان وراء هذا التغيير. بعد الاعتراف لاحقا بأن الطريقة الجديدة تناسب اداء منتخب التانغو اكثر، سار سابيلا بهذه الفلسفة الكروية، وكانت النتائج جيدة حتى الآن برغم تواضع العروض، ووصل المنتخب الى الدور قبل النهائي لمقابلة الطواحين الهولندية. قد لا يكون لشخصية الرجل اي اهمية في حال الوصول الى المباراة النهائية او احراز اللقب، الذي سيكون الثالث للارجنتين بعد 1978 و1986، فهو سيبقى وفيا لما هو عليه ولا يقلقه سوى الخلل الدفاعي في منتخبه والمباراة امام بلجيكا خير شاهد على ذلك. لعب سابيلا لمدة 15 عاما في خط الوسط، من 1974 حتى 1989، ومثل فريق ريفر بلايت الذي قدمه الى العالم، واستوديانتيس حيث توج معه بطلا للدوري الارجنتيني مرتين، واحترف في شيفيلد ونزداي وليدز يونايتد الانجليزيين. لم يفرض نفسه كثيرا في تشكيلة التانغو، فارتدى قميص الارجنتين في ثماني مباريات فقط منتصف الثمانينات، وللامانة ظلم لاعبون كثر في هذه الفترة لانها طبعت تماما باسم دييغو ارماندو مارادونا بطل مونديال مكسيكو 1986. فضل سابيلا الانتقال الى عالم التدريب، لكنه بقي يلعب الدور المساعد لمعلمه دانييل باساريلا طويلا، اولى في منتخب الارجنتين بين 1994 و1998، ثم في منتخب الاوروغواي بين عامي 2000 و2001، ولم يفارقه ايضا في اندية بارما الايطالي ومونتيري المكسيكي وكورنتياس البرازيل وريفر بلايت الارجنتيني. في عام 2009، قرر هذا الرجل الهادئ الانتقال من المدرب المساعد الى المدرب الاصيل، وكانت البداية مع استوديانتيس حيث قاده الى لقب كأس العالم للاندية على حساب برشلونة الاسباني عام 2011. استعان به الاتحاد الارجنتيني بعد تجربة صعبة جدا للمنتخب، فعقب الخروج برباعية نظيفة من ربع نهائي مونديال جنوب افريقيا باشراف المدرب الثائر مارادونا، ضاعت هوية المنتخب مع المدرب سيرجيو باتيستا، فكان عليه اعادة التوازن الى التشكيلة والتحضير لمونديال البرازيل. هدوء سابيلا يدعم بالحظ الكبير بوجود ساحر اسمه ليونيل ميسي الذي لعب دور المنقذ في مباريات المنتخب حتى الآن، ان كان باهدافه الاربعة او بتمريراته، باستثناء المواجهة الاخيرة مع بلجيكا التي سجل هونزالو هيغواين هدفه الوحيد بتمريرة من انخيل دي ماريا.