يظل تمسك رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي برئاسة الحكومة المشهد السياسي في هذا البلد الذي يقاتل مسلحين متطرفين يسيطرون على أجزاء منه، وينذر بتمديد لأزمة الحكم قبل يومين من الجلسة الثانية لمجلس النواب المنتخب. وكان المالكي فتح هذه الأزمة على مزيد من التعقيدات الجمعة بعدما أعلن أنه لن يتنازل «أبدًا» عن ترشحه لولاية ثالثة، رغم الانتقادات الداخلية والخارجية له، في خطوة تشير إلى أن عملية تشكيل حكومة جديدة لن تشهد خاتمتها قريبًا. وجاء موقف المالكي هذا رغم دعوة المرجعية الشيعية للإسراع في تشكيل حكومة تحظى بقبول وطني واسع، وسحب خصمه السياسي رئيس البرلمان أسامة النجيفي ترشحه لولاية ثانية على رأس مجلس النواب إفساحًا في المجال أمام توافق سياسي حول الرئاسات الثلاث. واعتبر الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر في بيان السبت أن «الحل السياسي الصحيح سيكون بابًا لإنهاء معاناة الشعب العراقي وإيقاف النزيف والحرب الدائرة». ورأى أن المالكي ورغم أنه «قد زج نفسه وزجنا معه بمهاترات أمنية طويلة بل وأزمات كبيرة إلا أنني مع ذلك كله سأبقى مقتنعًا أن من يجب أن يقدم مرشح رئيس مجلس الوزراء هم الأخوة في (ائتلاف دولة القانون) باعتبارها الكتلة الأكبر». وتابع «إذا تم ترشيح من هو صالح من داخل (دولة القانون) سيكون ذلك بابًا لإنهاء المعاناة»، في إشارة إلى أنه يؤيد أن يكون مرشح رئيس الوزراء من كتلة المالكي التي فازت بأكبر عدد من مقاعد البرلمان (92 من بين 328)، إنما ليس المالكي نفسه. وكان المالكي (64 عامًا) قال في بيان نشر الجمعة على موقع رئاسة الوزراء: «لن أتنازل أبدًا عن الترشيح لمنصب رئيس الوزراء». ويتعرض رئيس الوزراء إلى انتقادات داخلية وخارجية خصوصًا حيال استراتيجيته الأمنية في ظل التدهور الأمني الكبير في البلاد، وسيطرة المسلحين المتطرفين على مساحات واسعة من العراق، ويواجه كذلك اتهامات بتهميش السنة واحتكار الحكم. ويطالب خصومه السياسيون كتلة «التحالف الوطني» أكبر تحالف للأحزاب الشيعية بترشيح سياسي آخر لرئاسة الوزراء، فيما يصر هو على أحقيته في تشكيل الحكومة، علمًا أنه ترأس حكومته الثانية رغم أن لائحته النيابية لم تفز في 2010 بأكبر عدد من مقاعد البرلمان. وينص الدستور العراقي على أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال ثلاثين يومًا من تاريخ أول انعقاد للمجلس. ويكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددًا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، على أن يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية أعضاء وزارته خلال مدة أقصاها 30 يومًا من تاريخ التكليف. وكان مجلس النواب فشل في جلسته الأولى الثلاثاء الماضي في انتخاب رئيس له بحسب ما ينص الدستور، قبل أن يعلن النجيفي (سني) أحد أبرز خصوم المالكي الخميس سحب ترشحه لولاية ثانية. وقال النجيفي: «أقدر عاليًا طلبات الأخوة في (التحالف الوطني) الذين يرون أن المالكي مصر على التمسك برئاسة مجلس الوزراء في حال ترشيحي لرئاسة مجلس النواب، وأقول لهم: إني لن أترشح لرئاسة المجلس». ويشير موقف المالكي وتمسكه بمنصب رئيس الوزراء إلى أن الأزمة السياسية في العراق لن تشهد خاتمتها قريبًا، حيث أن السنة يرفضون الانضمام إلى حكومة يقودها المالكي. وفي هذا السياق، دعا المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني إلى الإسراع في تشكيل حكومة تحظى بقبول واسع. وقال السيد أحمد الصافي ممثل السيستاني في خطبة الجمعة في كربلاء: إن «الإسراع بتشكيل الحكومة وفقًا للأطر الدستورية مع رعاية أن تحظى بقبول وطني واسع أمر في غاية الأهمية». وأضاف «كما من المهم أن يكون الرؤساء الثلاثة؛ رئيس البرلمان، ورئيس الوزراء، ورئيس الجمهورية منسجمين في ما بينهم في وضع السياسات العامة للبلد، وقادرين على حل المشاكل التي تعصف به، وتدارك الأخطاء الماضية».