سألني من أجله واحترمه أيُها المغرد الأحسائي ألم يحطّ هذا القلم السائح عند مدار عابر حوله وصانع من أرضه وإليها سجّل بصمته ومدرسته وأفردها يتحلّق الناس حولها جسوراً وشهوداً لا أحسائياً ولا سعودياً فقط بل عربياً بثوبها المثقف الواسع وطيفها المتعدد كانوا مع راشد المبارك.. فأين رواحلك وقد اتحد العهد بأحسائك حيث موطنك , قلتُ: بلى بل يستحق ويستحق , وإنما قد كان من توثيق مسيرة العَلَم الفكري والثقافي والاجتماعي من هم أقرب وأقدر للحديث حوله وعنه وقد جمع الزميل الكريم الكاتب بجريدة «الرياض» د عبد الله القفاري سفراً مميزاً عن د. راشد المبارك وكذلك فعل صديقنا العزيز أبو هتون د. إبراهيم التركي في جريدة «الجزيرة» مُلحقاً مستحقاً لأبي بسام وأنا أكتب اليوم من وحي أسرتي لأسرته وكم بينهما من وثاق ورابط وإن اختلف مساري عن أستاذ الذرة والثقافة المُدرة راشد المبارك فإنما هو علامة تميّز لمن يكتُب عنه وليس إضافةً للكاتب . وحيث إننا أمام قامة اجتماعية وثقافية اقتحمت الرواق الثقافي العربي والديوان الوطني ببعده الرسمي والأهلي حيث ازدحمت نجد بأساطين نبلائها الاجتماعيين والفكريين فمن الطبيعي أن تزدحم الأوراق حوله فما بالك إن كانت أوراق ورواق سُجّلت لراشد بن عبد العزيز , فلا يَكاد ترتحل من داره مضافة إلا حطّت بعدها مضافات , يُصارع الناس إلا أن يزدحموا على بيته ولا يزدحم عقله عن تعقبهم بالمكرمات يحضنهم بيمينه واحتفاء زوجته السيدة العظيمة الكريمة أم بسام الجبرية فهيمة. وإن كان أول حديثنا عن كرم راشد فإنهُ صنفٌ من أوجه عديدة من البذل وله في ذلك أصنافٌ أُخرى حتى إنه يتفقد الناس من المحيط والغريب ويُخصص لهم من دخله ما يصل لذي مروءة أو حاجة تعقبته الأيام فأفضى إليه راشد تطوف صلته سراً بينهما لتُطفئ حاجته , وكم ازدحمت لديه وفود عديدة حيث اُضطر الناس لطلب الشفاعات لأجل الحصول على العلاج لعارضٍ شديد في التخصصي أو الخارج وكان لراشد السبق فيهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا , وأكرم ببذل للمعروف جابر لعثرات الشفاعات شهدت له الأحساء وحسبك أن تُقارن فيجيبك ..سيف المعروف أصدق من النبأ , وكان راشد بن عبد العزيز ولا يزال في ذلك مع الأحساء وخارجها , غير أنه بقي يرتكز عند كل وفد يَصدرُ أو يرد من قوافل المثقفين والنبلاء العرب من الشام إلى تطوان فضلاً عن الساحة الوطنية من حجازها لنجدها بأنه ذلك الأحسائي المتجذر بانتمائه , تميميٌ نعم لكنه إلى دار بني سعد أتم , فعرف المشهد الفكري الوطني المحيط منهُ الأحساء وساحة ثقافتها وثمَر نخيلها الفكرية قلال تمرٍ وقلال أدب , ولكنّه عَبَر حيث رحلته الفكرية الواسعة إلى الوطن العربي الكبير فأضحى رصيده التفاعلي في تنقله العربي والغربي جسراً حيوياً لذلك التواصل مع شخصيات ومثقفي الوطن العربي الزائرين أو القاصدين للعاصمة ليُقدّم عبر ندوته الأحدية شتلات ورود منوعة من مفكرين إسلاميين أو علمانيين أو بين هذه وتلك , حيثُ يَعبر السرادق العربي من يسار ويمين من التيارات العربية أو التكتلات الاقتصادية أو التكنوقراط المثقف لتشكل هذه الشتلات مبادرة متقدمة لندوته الاحدية في زمنٍ كانت منابر التعدد وتبادل الحوار الراقي نادرة التلاقي . وعَبَر د. راشد المبارك مساحات متتالية من صراعات التيارات الفكرية أصر فيها على أن يُبقي له جسراً حيويا وكذلك فعلت تلك الأطراف حيث انتخبته مبكراً كأحد أمناء التواصل بين مثقفي الوطن العربي وتياراته المركزية كان فيه راشد المبارك في الطليعة المنافسة , وعزّز هذا الأمر تواصله الإيجابي لمهام فكرية وثقافية دخلت عالم السياسة كان من أبرزها انتدابه لقيادة ثلة من المثقفين لمحاولة مستقلة للوساطة لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية طافت به بين العراق وإيران وأوضح د. راشد في لقاءاته الأخيرة أن الممانعة كانت من الطرف الإيراني , لكنها كانت وإن لم تتحقق في توثيق التاريخ مهمة النبلاء والمفكرين معاً وقد سُجلت له ولعطائه , ومع ذلك الحضور العربي فقد كان للدكتور راشد المبارك حضور مكثف حيث حواضر الرياض وازدحام منارتها ومجلسها وشخوصها الاجتماعية لأهلها والقادمين من نواحي نجد الكبرى أو نواحي المملكة لتجعل منه شريكا أساسياً في هذا المحفل المتحرك كأحد أعلامه فضلاً عن العلاقات المتعددة له قديماً في دراسته حتى عمله وسكنه مع الأطياف الفكرية النجدية من الراحلين عبد الله القصيمي إلى أستاذي الشيخ حمد الصليفيح , وأبقت له دبلوماسيته مع هذا المسار العميق في تاريخ المثقف النجدي جسور توازن تصطف عندها مدارات التقدير لشخصيته . وحقق راشد المبارك محطة مهمة للتضامن الوطني حين كان وسيطاً بين الدولة وإخواننا من الشخصيات الشيعية من حواضر الأحساء من القطيف إلى العمران في الداخل أو من كان مقيماً في الخارج فسهّلت جهوده عملية التواصل الوطني ومعالجة بعض الاحتقانات الطائفية عبر الحوار والمعالجة السياسية التي قطعت في ذلك الزمن مسافة مهمة للحْمة الحالة الوطنية , ربما لم تكتمل في بعض التصورات الوطنية لكن المهم مدار ترسية الثقافة الأساسية لها والتي كان لأبي بسام جهد مركزي فيها , ومع تلك المهام كان راشد المبارك الأديب الذي يرفض تصنيفه رسمياً رغم أن الكثير لا يقتربون من ذائقته إلا أنه كان ينتقي بلاغة التعبير في اختياراته لآداب العرب وفي بعض نصوصه من ذوقها وطرقها إلى فلسفتها , وفي هذه الأخيرة أي الفلسفة بمعناها المطلق كان حضور د. راشد تراكمياً من تخصصه الذري النادر في حينه علمياً وبين المنطق المُطلق وبحاره . ومن أخلاق راشد التي تُثبّت في هذا الزمن حيث هي شاهدة بيننا مبادرته للدولة لطلب تأمين أشقائنا من الشام العظيم للجوء في المملكة حين نفذ الإرهابي الأول حافظ الأسد مجزرة حماة 1982 في حق شعبنا وهاهي تتكرر , فكان للدكتور راشد يدٌ طيبة كريمة لإيوائهم ذاك العهد ونقول اليوم: عجل الله انتصار الثورة ليُحتفى به في دمشق ويحتفي هو بأهلها وقد أضحت للشام من آلهِ رابطة , أمّد الله في عمر المفكر والمثقف الكبير الكريم ابن الكرام د. راشد بن عبد العزيز المبارك في صحة وعافية وغنيمة دنيا وآخرة .