بكت الأحساء أمس في وداع أديبها وسفير كلمتها أحمد بن علي آل الشيخ مبارك عن عمر تجاوز ال 90 عاما، قضاها في كفاح مستمر عبر تأسيس وعي جديد في العلم والأدب والتربية لمواجهة تيارات التغريب الثقافي والفكري. ووري جثمان الراحل البارحة في مقبرة الصالحية في الهفوف وسط حشود من الأحبة والأصدقاء وكبار الشخصيات ومثقفي المحافظة، حيث تقدم الأمير بدر بن محمد بن جلوي محافظ الأحساء الجموع في الصلاة على الأديب والسفير المبارك، الذي وافته المنية البارحة الأولى، حيث كان يرقد في العناية الفائقة منذ فترة. وفتح باب العزاء للرجال في مجلس أسرة آل مبارك في حي البصيرة في الهفوف وللنساء في منزل المتوفى شرق المجلس. وحضر مراسم الدفن والعزاء مدير جامعة الملك فيصل الدكتور يوسف الجندان، وكيل محافظ الأحساء خالد البراك، مدير شرطة الأحساء بالنيابة العميد محمد بن ابراهيم الحربي، وعضو هيئة كبار العلماء الدكتور قيس بن محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ مبارك. أبرز مساهمات الراحل المبارك في المشهد الثقافي، أحاديته التي انطلقت في الأحساء منذ عام 1411ه، وهي منتدى ثقافي يشارك فيها نخبة من رجال الفكر والعلم والأدب، وأدت دورا بارزا في إحياء التراث الفكري الأصيل والتصدي للحركات الفكرية المعادية للأدب العربي ولغته. الكاتب خالد بن قاسم الجريان يقول عن أحدية المبارك: «خشي المبارك أن يذوب مثقفو الأحساء في التيارات الأدبية الغربية، فينصهر الأدب الأحسائي الأصيل في بوتقة المذاهب المستوردة، لذلك عمد إلى إقامة منتدى أدبي يلتقي فيه كل محب للأدب سمي بعد ذلك ب «أحادية المبارك»، فكان مدرسة خرجت الكثيرين من الشعراء والكتاب، ورافدا قويا للحركة الثقافية في المنطقة». ويستعيد الشاعر والكاتب عبد اللطيف بن صالح بدايات تأسيس الأحدية: «كان لأحادية المبارك فضل ثقافي على مثقفي المنطقة، فهي منتدى يلتف حوله العديد من المثقفين من داخل المنطقة وخارجها حتى أصبحت معلما ثقافيا للمنطقة». ويبرز رئيس نادي الأحساء الأدبي الدكتور يوسف بن عبد اللطيف الجبر أبرز محطات الرحل، «الشيخ أحمد سخر جل حياته لخدمة الأدب والأدباء في المملكة، حيث قدم للمكتبة عددا من المؤلفات، كانت ومازالت تخدم الأدب والأدباء وفق شتى الصور في عدد من المجالات التاريخية والقصصية»، مشيرا إلى «أن المبارك من جيل الرواد الذين بذلوا جهدا كبيرا في إبراز تراث المملكة». مسيرة التعليم مدير إدارة التربية والتعليم في الأحساء أحمد بالغنيم يفيد بدوره «أن الراحل من أبناء المنطقة المخلصين لدينهم ووطنهم، وهو أحد أبناء المنطقة التربويين الذين كان لهم إسهامات تربوية واضحة في مسيرة التعليم في المملكة، فهو من المؤسسين للتعليم في بلادنا الغالية». ويرى أستاذ الأدب والنقد في جامعة الملك فيصل الدكتور بسيم عبد العظيم «أن المملكة فقدت رجلا من رجالاتها الأوفياء، وأديبا من رواد نهضتها الحديثة في التعليم والسياسة وخدمة الأدب». للراحل أحمد المبارك عطاء فكري جم يتمثل في عدد كبير من المؤلفات في الأدب والتاريخ واللغة طبع بعضها، مثل: (الدولة العثمانية معطياتها وأسباب سقوطها)، (الأحساء ماضيها وحاضرها)، (علماء الأحساء ومكانتهم العلمية والأدبية)، (عبقرية الملك عبد العزيز)، (رسائل في المودة والعتاب والاعتذار)، (الأمثال العامية في الأحساء ومقارنة بينها وبين الأمثال في بعض الدول العربية والخليج العربي)، وكتاب (رحلة الألم والأمل)، (رحلة الأمل والألم)، و(سوانح الفكر)، و(رسائل في المودة والعتاب والاعتذار)، و(عبقرية الملك عبد العزيز)، كما للراحل ديوان شعري بعنوان: (ديوان سفير الأدباء وأديب السفراء الشيخ أحمد بن علي آل مبارك)، إضافة إلى مقالاته الصحافية وحضوره البارز في النشاطات المنبرية داخل وخارج المملكة، حيث ألقى محاضرات عدة في القاهرة وفي عدد من مناطق المملكة. كتب عنه ألف عن الراحل كتب عدة منها: كتاب (الشيخ أحمد المبارك رائد الأدب الأحسائي الحديث) أعده وألفه خالد الجريان وعبد الله بن عيسى الذرمان في 300 صفحة قدمه الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الخويطر، وكتاب (أحمد بن علي آل الشيخ مبارك شيخ أدباء الأحساء في العصر الحديث في عيون معاصريه) الأديب الدكتور خالد بن سعود الحليبي يقع في 220 صفحة. وكرم الراحل في مهرجان الجنادرية ال 18 عام 1423ه، تقديرا لجهوده في خدمة الأدب، وتقلد عدة مناصب، منها: مفتش عام على المدارس الابتدائية والثانوية، وبعد تحول المعارف إلى وزارة سنة 1373ه عين مديرا للتعليم في محافظة جدة، وفي مطلع 1375ه انتقل إلى وزارة الخارجية، وتقلب في عدة وظائف ورأس عدة إدارات، ومن ثم نقل إلى سفارة المملكة في الأردن، وعين مستشارا في الكويت، وقنصلا في البصرة، وقائما بالأعمال في سفارة المملكة في غانا، ثم سفيرا في قطر كأول سفير للمملكة بعد استقلالها، وأخيرا استقر به المطاف سفيرا في وزارة الخارجية إلى عام 1415ه، حيث انتهت خدماته في الوزارة وأحيل للتقاعد، وعمل بعد ذلك أستاذا غير متفرغ في جامعة الملك فيصل في الأحساء. رحلة علمية بدأ الراحل المبارك رحلته العلمية منذ أن كان في السابعة من عمره عندما أرسله والده إلى (المطوع) لتعلم القرآن الكريم، وبعد بلوغه سن ال 12 التحق بمجالس العلماء ومدارسهم الدينية ودرس على أيديهم علوم الفقه والحديث واللغة، وفي سن ال 15 شعر بأن هناك علوما أخرى لم تتوفر في بيئته فتاقت نفسه إلى الدراسة في المدن الكبرى كبغداد والقاهرة والتحق بالجامعة الأزهرية، وحصل منها على (الليسانس) في اللغة العربية وآدابها، ثم التحق بجامعة عين شمس وحصل منها على دبلوم في التربية وعلم النفس من معهد التربية العالي ثم عاد إلى المملكة.