كنت أتابع أخبار الانتخابات البرلمانية المصرية (مجلس الشعب) على إحدى محطات الإذاعة عندما أعلن المستشار عبدالمعز إبراهيم رئيس اللجنة العليا للانتخابات المصرية، النتائج النهائية للمرحلة الأولى من انتخابات البرلمان مشيراً إلى أن نسبة الإقبال على التصويت بلغت 62%، معتبراً أنها أكبر نسبة يصل إلينا المصريون منذ عهد «الفراعنة حتى الآن»!! لا أعرف مسوغات أو مسببات استخدام مفردة كلمة «الفراعنة» من قبل رئيس اللجنة في المؤتمر الصحفي ولكنني شكرته بوفرة؛ لأن استخدامه كلمة «الفراعنة» أعاد إلى ذاكرتي قفشات وتعليقات المصريين الساخرة التي لا تنتهي حول مفردة «الفراعنة» إلى جانب الأحاديث الجادة والتعليقات والنكت السياسية والاجتماعية اللاذعة التي كنت أحرص بشكل يومي على الاستزادة منها عند زيارة مصر من خلال تجاذب أطراف الحديث مع كافة فئات الشعب المصري متى ما سنحت لي الفرصة سواء في ردهات فنادق القاهرة أو الإسكندرية أو عند التسوّق أو زيارة المواقع السياحية أو عند التنقل بسيارات الأجرة. مصر دولة إستراتيجية كبرى بالنسبة للعرب، لذا نتمنى أن تفضي انتخاباتها البرلمانية إلى إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية حقيقية وفاعلة ترسم البسمة الصادقة في المقام الأول على شِفاه المواطن والمواطنة المصرية وتعود بها ثانياً إلى واجهة قيادة العمل العربي مع القوى السياسية العربية الكبرى الأخرى. النتائج الأوليّة للانتخابات تشير بقوة إلى فوز التيار الإسلامي بما نسبته 60% من الأصوات، متمثلة في حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين» وحزب «النور» السلفي، تليهما الكتلة المصرية المكوّنة من أحزاب المصريين الأحرار والمصري الديمقراطي الاجتماعي والتجمّع إلى جانب الوسط والوفد والعدل. من المغالطة تحجيم حقيقة علو كعب الإسلاميين وتسيّدهم المشهد السياسي العربي للفترة الحالية وفي المستقبل المنظور، كما حدث في تونس والمغرب وليبيا وقريباً في مصر وتحديداً «الإخوان المسلمين». إفرازات الربيع العربي دفعت بالإسلاميين إلى الواجهة من خلال صناديق الاقتراع والممارسة الديمراقراطية، لذا على القوى السياسية الأخرى سواء بالداخل أو الخارج إعطاء الإسلاميين الفرصة كاملة والتعاون معهم لإدارة دفة البلاد والحكم على أداء هذه الأحزاب السياسية من منظور الانجاز الاقتصادي والإصلاحي ومكافحة الفساد، لا من منظور الأمور الهامشية التي تروّج لها بعض وسائل الإعلام الغربية مثل موقف الإسلاميين من الحجاب والتعدّد والسباحة بالبكيني وحظر الخمور إلى جانب التخوّف من عدم تداول السلطة فيما بعد. لذا، كان من اللافت تصريح عرّاب السياسة العربية في وقتنا الراهن رئيس الوزراء، ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني لصحيفة فياننشيال تايمز قوله «إن الإسلاميين سيمثلون على الأرجح الموجة التالية من القوى السياسية في العالم العربي وأنه على الغرب التعاون معهم». ربما هذا التصريح يشي إلى قرب وصول الإسلاميين إلى دفة قيادة أكبر دولة عربية من حيث تعداد السكان وإمكانيات النمو الاقتصادي وهذا المعطى الجديد يفرض على حكومات الدول الغربية والعربية أيضاً، أسلوباً جديداً في التعامل مع تلك الدول التي ستحكمها أحزاب سياسية إسلامية معتدلة لها أولويات وتوجّهات مختلفة عن الحكومات السابقة التي كانت تتعامل الحكومات الغربية على مدى الخمسة العقود الماضية. في النهاية، اللعبة السياسية نادراً ما تحتكم إلى منطق عقلاني مفهوم، فعلى سبيل المثال، أحداث ميدان التحرير بقيادة شباب ثورة يناير أسقطت حكومة حسني مبارك وها هي نفس الأحداث تدفع بالإخوان المسلمين إلى سدة الحكم بدلاً من قيادي ميدان التحرير، فنتائج أحزابهم الانتخابية تقع في ذيل قائمة الفوز!