السياسة رمال متحركة، تتغيّر وتتبدل الولاءات حسب الحاجة والموقف والفرصة، وطبعاً هي حالة دوران دائم حول مراكز القوى. وفيها لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، والعاطفة ميتة في فلكها، هذه أبسط قواعد اللعبة وحسابتها. اليوم في العالم العربي المتغيّر، والقوى الشعبية الجديدة التي أفرزتها صناديق الانتخاب، وفق العملية الديمقراطية ومحددتها، التي ارتضاها الجميع، صعدت قوى لم يكن أحد يتوقّع أن تصل بهذه السهولة إلى السلطة، وتحديداً أحزاب الإسلام السياسي من إخوان وسلفية، وأصبح وجودها واقعاً في تونس ومصر، ولا يستبعد أن يكون لها حضور مشابه في اليمن وسوريا، فهي جاهزة سياسياً ولديها خبرة تنظيمية فائقة مقارنة بالمنافسين، فقد ظلت بانتظار لحظة الصعود التاريخية. شرعية جديدة لها شعبيتها، صحيح إنها تواجه أزمة اقتصادية بالدرجة الأولى، وسيكون الهم الاقتصادي الضاغط أكبر تحدياتها. لكنها سياساً قد تتمكّن من تغيير معادلات كثيرة، ومسلّمات متعلّقة بالعلاقات الإقليمية والدولية، بما فيها القضية الفلسطنية، وعملية السلام برمتها، وفي اتجاهات قد لا تخلو من مفاجآت. من ما أثاره فوز الإسلاميين بأغلبية ساحقة في الانتخابات البرلمانية، مخاوف من تغيّرات في السياسة الخارجية - مصر مثلاً، وحدوث تحولات جذرية في قضايا رئسية مثل اتفاقية كامب ديفيد للسلام، وتكهنات بأن البرلمان المصري، بقيادة الإسلاميين، سيسارع لإلغاء المعاهدة؟ إلا أن الإخوان المسلمين كرّروا احترامهم للمعاهدات الدولية، وصرح عصام العريان، «أن الجماعة والحزب ملتزمان بالامتثال لجميع الاتفاقات الدولية التي وقَّعتها مصر». وأضاف، «أما بالنسبة لاتفاقية كامب ديفيد على وجه الخصوص، فإن أي قرار مستقبلي لتعديل المعاهدة سوف يتم بموجب استفتاء شعبي». كما لا ينتظر أن تتخذ الأحزاب السلفية - الأكثر محافظة- أي خطوات في الاتجاه نفسه. المتحدث باسم حزب النور السلفي أعلن أن الحزب سيحترم اتفاقية كامب دافيد، «لا نعترض على الاتفاقية، فنحن نرى أن مصر ملتزمة بجميع المعاهدات التي وقَّعتها الحكومات السابقة»، وأضاف، «إلا أن الحزب سيستخدم كل الوسائل القانونية لتعديل «الشروط غير العادلة» في الاتفاقية». وقد تصبح لهجتهم أكثر صخباً لبعض الوقت، لكن لا إشارت جدية على أنهم سيقدمون أية تغييرات درامية وجذرية. والحقيقة أن الأحزاب الإسلامية لو دعمت إجراء تغييرات سياسية، مثل إلغاء كامب ديفيد، أو حتى فتح الحدود مع غزة (حيث فرع الإخوان، حماس) من جانب واحد، فإن المجتمع الدولي لن يسمح بذلك، وقد يؤدي إلى تداعيات قد تصل للتدخل الدولي. وآخر ما يرجوه أن يكونوا في مواجهة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. بل إن أحزاب الإسلام السياسي ومع تصدرها للحكم، وشعبيتها التي عبرت بها صناديق الاقتراع، ستكون أكثر إقناعاً في خلق سلام بالمنطقة، والتسويق لمشروع سلام حقيقي ينهي الصراع العربي الإسرائيلي، بعد أن فشلت الأنظمة الدكتاتورية والفاسدة في تحقيقه.. لكن من يثق في الرمال المتحركة وثعابينها..؟