لدي أرشيف من القصاصات الصحفية القديمة أحرص على الاحتفاظ بها لأنها تمس وترا في قلبي ومن بينها تلك التي تحكي عن مواطن سعودي من بلدة مركز حلي جنوب القنفذة، كان يعتزم السفر إلى مصر في زيارة ترفيهية، فودع زوجته ثم أعطى بنته ذات التسع سنوات قبلة وربت على رأسها وفتح الباب و»نشوفكم على خير»، ثم خاطب ابنته قائلا: أنت في إجازة.. خلي بالك من أمك، وبلاش سهر مع التلفزيون»، وبعد أقل من دقيقة من مغادرته البيت عاد منزعجا: وين راح جواز السفر؟ كنت حاطة في شنطة اليد الصغيرة مع التذكرة، .. قام هو وزوجته بتفتيش البيت ركنا ركنا.. افرغوا خزانات الملابس من محتوياتها، وفلفلوا كل قطعة أثاث وقماش.. حتى سلال القمامة خضعت للتفتيش .. كل ذلك والزوج يقول: أكيد ملك الجان سرق الجواز المهم: لم يعثر الرجل على جواز السفر وبالتالي لم يتمكن من السفر، وفي اليوم التالي جاءته بنته التلميذة في الصف الثالث بالمدرسة الابتدائية ومدت يدها إليه بالجواز.. قال أبوها: ما شاء الله عليك يا بنتي .. لو اشتركت معنا في البحث عن الجواز أمس لكنت قد سافرت دون أن أقلب البيت فوق – تحت، ولكن البنت فاجأته بقولها: إنها أخفت الجواز في حقيبتها المدرسية لمنعه من السفر، لأنها تريد له أن يكون معها في البيت.. ظهر الغضب على وجه الأب: ليش؟ لماذا؟ واي؟... هذه طفلة يتمناها كل والد، وتصرفها بإخفاء جواز سفر والدها تنبيه لنا نحن الأمهات والآباء، بأن عيالنا قد يرتكبون أشياء لأنهم يحبوننا ولكننا نحسبها «غلط» غضب الوالد لم يدم لأكثر من دقيقتين.. توجه نحو البنت وضمها إلى صدره.. ثم قال: معك حق.. مفروض إني أكون وياك في البيت لأنك في إجازة .. يللا.. روحي قولي لماما تحضر شنطتها وشنطتك لأننا راح نسافر سوا في إجازة. يا حبيبتي.. الله يخليكِ لبابا وماما، ويخلي بابا وماما لك.. هذه طفلة يتمناها كل والد، وتصرفها بإخفاء جواز سفر والدها تنبيه لنا نحن الأمهات والآباء، بأن عيالنا قد يرتكبون أشياء لأنهم يحبوننا ولكننا نحسبها «غلط».. عندما كنت أعمل بالصحافة المكتوبة كنت أعود الى البيت قبل طلوع الشمس بقليل، وأنام نهارا، وكانت ابنتي مروة وقتها طفلة.. كذا مرة قمت فزعا من النوم لأن هناك من يحاول فتح جفوني المغمضة.. اصرخ منزعجا: ليه عملت كده؟ فتقول: كنت عايزة أشوف أنت نائم أم صاحي؟ أدركت ان طبيعة عملي تحرمها وتحرمني من الحضور في حياتها اليومية فهجرت النوم نهارا، وبما ان الليل كان مخصصا للعمل فقد كدت أصاب بخلل عقلي بسبب عدم النوم فهجرت الصحافة المكتوبة نهائيا وكليّاً. والأطفال أذكياء، وقد تعود مرهقا من العمل لتنام لفترة قصيرة ولكن إزعاج العيال يتصاعد رغم أنك طلبت منهم الهدوء.. هم يفعلون ذلك لأنهم لا يريدون منك أن تنام، فلا تغضب.. ابرم معهم معاهدة: أعود وأتونس معكم لساعتين ثم تتركوني أنام بهدوء لساعتين.. سيصيحون: ساعتين كثيرة.. أوكي ساعة واحدة.. وهكذا، ينعمون بحبك وتنعم بحبهم وبالنوم الهادئ والأحلام المفرحة