قلتُ إن غالبية الجدران تُبنى لتعزل إلا حائط المبرمج مارك زوكربيرج Mark Zukerberg مؤسس الشبكة الاجتماعية (الفيس بوك) , هذا الموقع الذي يشبه الحياة في تنوعها وتقلباتها ومفارقاتها . تذكرني بعض أحوال هذا الموقع الإلكتروني بالدعاية الطريفة القائلة: «توابيتنا متقنةُ الصنعِ وأنيقةٌ إلى درجة أنك ترغب في الموت»! نعم.. هنالك بعض حالات من الأناقة الباهتة. لكن ذلك شأن من شؤون مستخدمي الموقع. وعلى ذكر التوابيت، فإن هذا الموقع، وإن كان عالما فسيحا بحجم الفضاء، إلا أنه يتفق مع لحد أبي العلاء المعري في ضحكه «من تزاحم الأضداد»! أتاح فضاء الفيس بوك الفرصة لكل المفارقات؛ للأناقة الأصيلة والمقلّدة ، للعمق والضحالة، للجد والهزل، للأسماء الصريحة والمستعارة، للشيوخ والأطفال، للنساء والرجال، للمثقفين والشطار والعيارين! تجاوز عدد أصدقاء أحد الأصدقاء في هذا الموقع أربعة آلاف صديق. كان ذلك قبل كتابة هذا المقال بعام! كيف أستطيع الوصول إليه وهو محاط بكل هذا الحشد من الأصدقاء؟ ستقول: المسألة غاية في البساطة.. اكتب على حائطه. فقد أصبح للحيطان عيون وآذان إلكترونية. لكن إذا كنت من مقلدي أبي حيان التوحيدي في معنى (الصداقة والصديق) فإن ذلك لن يساعدك كثيرا في تحديد هذا المعنى على صفحات الفيس بوك.. ستجد في هذا العالم الافتراضي عبارة تقول: أصبح (س) صديقا ل (ص). هكذا صارا صديقين بنقرة واحدة على (فأرة) الحاسوب. ففي هذا العالم الافتراضي أصدقاء بلا وجوه، ينشدون تواصلا لم يحققوه على أرض الواقع.. وفيه من يقدم (طلب صداقة) وأنت لا تعرفه. ولكي لا توقع على بياض، أو أوراق لم تتفحصها، تنقر ب (الفأرة) على صورة أو اسم مقدم الطلب لمعرفة بعض المعلومات. ويصادف أن تشير معلوماته إلى أنه أحادي التوجه وأنت تعددي، أو أنه من أكلة اللحوم وأنت نباتي، أو أنه من برج الأسد، وأنت من برج الجدي، فتخشى أن يلتهمك. بعد اقتناعك بقبول الإضافة يدوّن الموقع العبارة التالية: أصبح (س) الآن صديقا ل (ص). أما المضحك في الأمر فهو حين تكون أنت (س) وتكون (ص) حفيدتك التي لم يتجاوز عمرها عشر سنوات، لأنها تصر إلا أن تضيف (جدّو) إلى قائمة أصدقائها الصغار. هل يعني هذا أن الشبكة العالمية قد اختصرت المسافات، وألغت الحواجز بين الأجيال؟ ربما. والآن، لنصرف النظر عن الجدل الذي أثير حول هذا الموقع الاجتماعي في بداية تأسيسه، ونعترف بعبقرية المبرمج مارك زوكربيرج الذي انتهك حقوق الملكية الفكرية، وأنشأ حائطا إلكترونيا تجاوز أهداف إنشائه الأولى، فقد حقق غايات وأهدافا لم تخطر على بال مؤسسيه. فلم يعد دوره يقتصر على «رؤية ما يفعله الأصدقاء وما يفكرون فيه». بل ساهم، كغيره من الشبكات الاجتماعية، في تعميم المعرفة، والتماس الثقافي، والتغيير الاجتماعي، وذلك بتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في مختلف القضايا. [email protected]