في زمن ما يُعرف ب«الربيع العربي» تبقى سوريا الآن، محطة الجدل العنيف، ليس لأن العرب، وجامعتهم العربية، تحاول الدخول بفاعلية، ولكن لأن النظام هناك، شأنه شأن أي نظام سقط قبلاً، و يحاول التشبث بمقعد الحكم بأي ثمن، دون أن يدرك أن الشعوب عندما تمتلك الرغبة والقدرة، فإنها تستطيع إحداث التغيير الذي تطلبه. النظام السوري للأسف، كان يمكنه تجاوز الأزمة، لو كانت لديه الرغبة في التجاوب مع المطالب الشعبية بشكل حقيقي وعادل، ولكن لأنه لا يملك الأفق الاستراتيجي الأوسع، فقد تقوقع على أوهامه، وظنّ أنه بمنأى عما يحدث بجواره، مردداً ما ردده سابقوه حتى سقطوا. ليس بالشتائم، ولا بالسبّ، ولا بتسليط الشبيحة أو البلطجية لمهاجمة السفارات، يمكن التشويش على جوهر الأزمة القائمة والمتصاعدة بين النظام في دمشق وشعبه، وليست التهديدات بإشعال المنطقة وحدها كافية لجذب انتباه العالم للحفاظ على النظام، لكن التعاطي الأمثل، هو الاستجابة لكل الرؤى والتصورات، خاصة بعد أن ولغ عسكر السلطة في دماء الشعب، واستحل شبيحته كل شيء. كان يمكن للحل العربي أن ينجح، وينأى بسوريا عن أية محاولات تدخل دولي، مثلما كان الحل العربي قد وجد أذناً صاغية لدى العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، بدل أن يشتم شعبه ويتهمه بأنه «جرذان»، فكانت النهاية المأساوية التي لم يتوقعها أحد بمثل هذا الشكل الدرامي الذي شاهدناه وسمعناه. كل ما نخشاه، أن يكرر الأسد، نفس أسلوب القذافي، الذي لم يرتدع من جاريه، بن علي في تونس، ومبارك في مصر، وكل ما نخشاه أنه باستمرار سياسة التجاهل والمراوغة التي يمارسها النظام في دمشق، تتأزم الأمور، ويكون السؤال بالتالي: أين المفرّ؟ مع العلم بأن عالم القرن الحادي والعشرين مختلف تماماً، وما كان يمكن تمريره قبل ذلك، لن يتم السكوت عليه الآن، أو تجاوزه. المهلة العربية الأخيرة، ناقوس خطر، وعلى مستشارى السوء في دمشق أن يفهموا الرسالة جيداً، ويبدوا حرصهم ولو لمرة واحدة، على بلدهم وشعبهم، بدلا من الاستمرار في سياسة القوة والعنف والقتل التي يحاولون من خلالها إيهام أنفسهم بأنهم قادرون على السيطرة على الأمور. سوريا تقترب من نهاية النفق العربي ، وإذا لم يسرع قادة دمشق بالتجاوب والتوقف عن المكابرة، فلن يفيد الندم بعدها، كما لم يفد قبلها.