بداية أحب أن أزيل الارتباك عند بعض من تزاحمت عليهم الأحداث وتدافعت عليهم الأزمات، فاتهموا ربيع الثورات العربية الذي يفوح عبق زهوره وشذاه من البلدان المتحررة من ربقة الظلم والطغيان ، فاتهموا الثورة بأنها صناعة غربية ، صحيح أن الغرب يريد مزيدا من الإذلال لنا، ويبذل كل ما يستطيع من أجل تسخيرنا وطاقاتنا ومقدراتنا لمصالحه النفعية ؛ لكنه في التعامل مع قضايا العالم وأحداثه وخاصة منطقتنا إما يصنع الحدث أو يستثمره ، فهناك قضايا وأحداث تصنع لمصالح غربية أو أمريكية مثل: ويكليكس أو ترهيب العالم بالقاعدة والإرهاب ، ولذلك شاهدنا المستبدين بحكم خبرتهم ومعرفتهم بسياسة الغرب كيف يصنعون الأخبار ويروجون الأكاذيب لتغطية جرائمهم وتضليل الرأي العام العالمي ب (البلطجية ) و(الشبيحة) والقاعدة والسلفية والأخوان ،او بتفجير الكنائس والمساجد كلها من أجل تخويف الغرب وضمه لصفهم من أجل مصلحتهم وبقائهم في السلطة إلى الأبد. ورغم أن الشعب العربي يضحك -وشر البلية ما يضحك - من عبثهم وسخافة أكاذيبهم ؛ إلا أنها تكشف عن لعبة السياسة وخداعها ، وهذا ما تفعله إسرائيل لخداع الغرب وتضليلهم عن قتلها وجرائمها منذ زمن ، ولذلك على الشعوب العربية وخاصة الشعب السوري أن يعي جيدا لعبة النظام وأن لا يكتفي فقط بعدالة قضيته وحقه المشروع وأن لايكتفي فقط بأنه ضحية، وأن يطلع العالم على مجازر ومذابح النظام ويريد من العالم أن يتعاطف معه فهذا غير كافي ؛ لأنه في المقابل النظام يلعب لعبته في الخارج ولذلك شاهدنا لعبته عندما أرسل رسالة لإسرائيل عن طريق المظاهرة في لبنان والجولان والاقتراب من حدود إسرائيل في الذكرى وكأنه يقول : أمن إسرائيل مرهون ببقاء حكمي فأنا الحارس الأمين وأنا من يحاصر ويقمع الشعب السوري كي لايقترب منك . فعلى الشعب السوري ممثلا بجماعاته ومنظماته المعارضة في الخارج أن تلعب دورا أكبر من ذلك فليس من المنطق شعبها يقتل في الداخل وهي خائفة ترتجف في الخارج تخشى من تهديد النظام ، فعليها أن تتواصل مع أبنائها وأهلها في الداخل وأن توحد شعارها بإسقاط النظام فمرحلة الإصلاحات فات أوانها ، فلابد من جث النظام القائم من جذوره فما رتكب من جرائم بحق أهلنا في سوريا لاتغتفر ويجب إسقاطه ولن يقبل الشعب ببقائه. هذه مرحلة أولى إسقاط النظام ، الخطوة الثانية التصويت على مجلس انتقالي - كما حدث في ليبيا- يعترف به كل المعارضين وتحشد فيه أصوات سائر السوريين في الخارج والداخل ولو كان المجلس في الخارج يعترف به إذا حشد تصويت المقهورين في الداخل، وقد يستقوي هذا المجلس إذا استمرت الثورة الشعبية في جل الأوقات واتخذت ميادين في المدن تحتشد فيها هنا يضعف النظام وتستقوي المعارضة أما أن يكتفي المتظاهرون بيوم الجمعة هذه تعطي فرصة للنظام بأن يرتب أوراقه ويعتقل ويخوف ويرهب ويقتل ويحاصر المدن وهذا الأسلوب قد يحد من المظاهرة ويقضي عليها،ونلاحظ تركيز النظام على المدن الكبيرة دمشق حلب حمص وتشديده عليها وقمعه لأي مظاهرة فيها وهذا الحصار للمدن الكبيرة ومنع التظاهر فيها يخدمه ويصب في صالحه وقد يجهض الثورة ، فعلى أبناء هذه المدن أن يساندوا أخوانهم في القرى الأخرى الذين يقتلون وأن يساندوهم بالتظاهر السلمي وأن لا يرهبهم قمع النظام وإجرامه لأن الثورة لن تنجح ولن يسقط النظام إلا بخروجهم فهم يشكلون ثقل السكان السوريين أما المظاهرات المتناثرة هنا وهناك فقد يحاصرها ويحد منها النظام بجبروته وقمعه. وبالنسبة للغرب فهو ليس معنا ولا مع النظام هو مع الأقوى ومع مصالحه. هذه مسلمة معروفة فلا عاطفة ولارحمة في السياسة هناك مصالح وعليك وعلى الشعب السوري أن يعتمد على الله وعلى نفسه وجهوده في إدارة أزمته فمعركته مع النظام فالنظام يخفي الجرائم والحقائق ويخوض معارك سياسية في الخارج وأنت كشعب مقهور مظلوم قدمت دماء وشهداء ، عليك أن تخوض معركتك على شتى الصعد وفي جميع الاتجاهات وأن تقنع الخارج بعدالة قضيتك وسلامة مقصدك وأنك تريد الديمقراطية والمدنية فليس عندنا سلفيون ولا أخوانيون ولاسنة ولا علويون ولا أي مذهب وطائفة . سوريا للجميع حتى تغلق الباب على النظام ، لأنه يخوف الغرب بالاسلاميين وبالإخوان وبعودة السلفيين والمتطرفين إلى الحكم . وحتى لا نطيل في الوضع السوري الخلاصة: أن يصوت على مجلس يمثل الثورة وأن يصبح الشعار إسقاط النظام و أن تستمر وتتزاحم المظاهرات في جل الأوقات ، ونحن نعلم إجرام النظام وشدته في سوريا ؛ لكن هذه المجازر لا تزيده قوة وإنما ضعفا وتهاويا وسقوطا وأن يكون هناك تنسيق وتنظيم رغم قسوة وتعتيم النظام وقطعه التواصل بين المتظاهرين والمنظمين ؛ إلا أنه لا يمنع من أن أنظم وأتواصل بكل الوسائل ،فإذا اخذنا بهذه الأمور وكان بين الأخوة المعارضين والثوار في الداخل السوري تنسيق وأصبح لهم مجلسا ومرجعا يمثلهم ؛ هنا نعطي مجال وفرصة للغرب بأن يعترف بنا وأن يتحدث معنا ونصبح مدخلا للضغط على النظام وإسقاطه. وعودا على موضوعنا فذكرنا أن الغرب إما أن يصنع الحدث أوأن يستثمره واستثماره للحدث اتضح جليا في هذه الثورات فهو لم يصنعها وإنما شاهدنا خطابات أو باما كيف يتبجح بالخطاب تلو الخطاب كأنه هو من صنعها ويريد أن يسخرها لأغراضه ؛ لكن على الثوار أن يحذروا أشد الحذر من هؤلاء الأعداء الأربعة للثورة وهم: أولا : النظام المستبد فهذا سيكون له هزات وارتدادات بعد سقوطه ومحاولات شرسه للانتقام ، وعلينا أن نعرف كيف نتعامل ونتماهى مع عواصفها العاتية. ثانيا:إسرائيل وهي أشدهم عداوة لأنها تهدف إلى السيطرة على المجتمع العربي وإخضاعه وتذليله لأهدافها وأغراضها القذرة فلا تكتفي بعلاقة طيبة مع حكومة قائمة ، بل لابد أن تمارس الاختراق وزعزعت المجتمع وبث روح الفرقة والفساد والاختلاف داخل الأوطان العربية. ثالثا: إيران وهي تمارس سياسات قذرة نفس أساليب وطرق اليهود ، فلا تكتفي بعلاقة ومصلحة مع الحكومات العربية بل تقترب كي تخترق وتتعمق داخل الوطن بشكل أكبر وتجند رجالها وعمالها وسفرائها لخدمة أهدافها ، والسيطرة على بلدان العرب فأنت كدولة إذا فتحت علاقة مع إيران ن لابد أن تعد العدة وتجهز جهاز أمن كامل لمتابعة كل تحركاتها في الظلام داخل مجتمعك ؛لأن سياستها لاتقوم على التعاون والتبادل والتفاهم وإنما تقوم على إخضاعك واستغلالك والسيطرة عليك ومن ثم تحويلك إلى عميل لخدمة المشروع الصفوي . رابعا: أمريكا والاتحاد الأوربي وعلى الثائرين في تونس ومصر وخاصة ليبيا أن يحذروا أشد الحذر منهم وأن يكونوا واعين لكل خطوة يخطونها فهم يخطون خطوات مدروسة وأنت بحاجتهم في البداية لأن بيدهم صناعة القرار العالمي ويمارسون ضغطا على نظام الديكتاتور فأنت عليك أن تكسبهم لصالحك ؛ لكن لا تسلم لهم . فمثلا ليبيا طلبتهم للتدخل ،عليك أن تملي عليهم شروطا وأن تضع جدولا منظما لسائر تحركاتهم وأن تحدهم بوقت وتطالبهم بالتعجيل بالقضاء على القذافي لأنهم قد يبقونه لاستمرار استنزافك وقد يستخدمونه لأهدافهم، فعليك أن تطالبهم بتسليحك وأن ترفض رفضا باتا وقاطعا نزول أي جندي على أرضك منهم مهما ساءت الأحوال بأي صورة ، لا مضلي ولا إنزال، وأيضا لابد من الضغط عليهم بحسم المعركة سريعا لاعن طريق المعركة الميدانية وإنما عن طريق القصف الدقيق للقذافي وإجباره على الاستسلام ، وهو في آخر أيامه . ولذلك نرجو رفض المبادرات الخارجية التي تمد يدها في الرمق الأخير لإنقاذ القذافي وضمان سلامته بعدما أجرم وسفك وحول ليبيا إلى أرض تلتهب بالحديد والنار. صحيح أننا لا نريد سفكا من الدماء؛ لكن ليس من صالح ليبيا بقاء هذا المجرم على قيد الحياة. فدعوه كالجرذي يفر من جحر إلى آخر، وياحبذا لو دعم الثوار ميدانيا وأسروه حيا وقدم للشعب الليبي يحاكمه ويقتص منه. وأيضا على حكومة الثورة أن تمد علاقاتها وتوسعاتها الخارجية وأن تتحرر رويدا من سيطرة الناتو على سياستها الخارجية ، فأمريكا والأوربيين ليسوا معنا بل هم مع مصالحهم وعلينا في التعامل معهم أن نستفيد منهم في تخليصنا من الدكتاتور ؛ لكن لابد أن يكون عندنا رؤية استشرافية لمستقبلنا واستقلالية عنهم وأن تكون خطواتنا مدروسة وواثقة في تعاملنا معهم ، فعندما تستنجد بهم عليك أن تكون معدا دراسة وخطه للتخلص منهم . وأخيرا ومضطرا لأن أنهي المقالة فقد طالت أكثر مما أريد أقول : إن أمريكا والإتحاد الأوربي من أقل الأعداء عداوة للثورة وقد وعى الثوار في تونس ومصر ماذا يريدون ، فهم يريدون الديمقراطية وأن لا يستأثر الإسلاميين في السلطة فبصراحة هم لايريدون حكومة سنية ولذلك على الأخوة أن يفهموا هذا الأمر وأن يجنبوا بلدهم الفتن فهم في مرحلة ترهل وضعف ولابد من الحكمة والسياسة. ورأينا ماذا يحدث للسودان ولو فهم البشير وحكومته هذا الأمر واستفاد من التجربة التركية لما مر السودان بالظروف التي يمر بها الآن . فعلى التونسيين وخاصة الأخوان في مصر أن يحذروا كل الحذر من أي خطوة غير مدروسة تدخل مصر في دوامة من الفتن والانشقاقات ففي مرحلة ضعفك قدم تنازلات حتى لو لم تترشح للانتخابات ، لأن أمريكا والغرب عينهما على الأخوان وهم مدخلهما للفتنة في مصر ويبدو أن الأخوان قد وعوا الدرس وأدركوا حساسية الموقف وصعوبة المرحلة فأرجو أن لايُستفزوا و هم قد خطو خطوات جيده كلها تدل على أن مصر وسلامتها وتلاحمها أهم من الأحزاب والأفراد. آمل أن يتحقق ذلك وأن تقطف الشعوب المقهورة ثمار ثوراتها. سطور اخيرة: الثورات في البلدان العربية ليست صناعة أمريكا وأنما صنعها الديكتاتور المستبد الذي جثم على شعبه عمر مديد من القمع والقهر والمستبدون من حولنا كثر وهي لها تداعيات وارتدادات على المنطقة وعلى خليجنا ولعاب أمريكا قد سال عليها فعلينا جميعا في الخليج أن نتكاتف وأن نتلاحم مع قيادتنا وأن لاندع مجال للمغرض والمندس أن يشق صفنا وأن يفتت تماسكنا لأن السعودية ممثلة في دول الخليج يجب أن تبقى صامدة وصمام أمان للمنطقة وللعرب والمسلمين .