أخيراً قرَّرت الجامعة العربية تعليق عضوية النظام السوري، ودعت المعارضة السورية لمحادثات قد تتمخّض عن اعتراف بتمثيلها لسوريا، بعد شهور عجاف أكلت من أجساد السوريين وأرواحهم. وقد أعطت الجامعة العربية كل الفرص للنظام السوري لإجراء إصلاحات ووقف آلة القتل التي تعمل بكل طاقتها في رقاب السوريين. وتحمّلت الجامعة لوم المعارضة السورية، وشماتة المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج، قد تعطي مُهَلاً للنظام السوري.. لكن النظام صمّ أذنيه، طوال شهور، عن كل النداءات التي تحذره بأنه يقود نفسه وبلاده إلى مهاوٍ خطرة. وبات واضحاً أن النظام كان يُراهن على كسب الوقت فقط، حينما تعهّد بإجراء إصلاحات، ولكن كان الوقت يمرُّ بطيئاً على أجساد السوريين والمدن السورية تحاصر وتداهم وتنتهك الحقوق والكرامات.. وحتى حينما أعلن النظام أنه أفرج عن 500 معتقل، أدخل، في نفس الوقت، مئات السوريين إلى ظلمات المعتقلات، وتصاعدت حُمّى القتل في الشوارع السورية، في أيام المهلة التي أعطتها الجامعة العربية للنظام كي يعدّل مساره ويكف عن أعمال القتل الوحشية في صفوف مواطنيه. وكانت المؤشرات تدلُّ على أنه لا مناص لدى الجامعة العربية سوى أن تعلق عضوية النظام السوري وتسحب السفراء من دمشق، لحين عودة السلام إلى سوريا الشقيقة، وكان النظام يراوغ ويحاول استثمار الوقت بأي ثمن، بما في ذلك تصعيد القمع ضد المدنيين. كما كان يردُّ على الدعوات بعنترية، ويطلق العنان لخطابيين مضللين، يستخفون بالدماء التي تراق في شوارع المدن السورية، ويحرّضون النظام ويزيّنون له الأعمال الوحشية، ويتهمون المتظاهرين السوريين بالخيانة والعمالة، وهي لغة أطلقت المتظاهرين الليبيين والتونسيين والمصريين. وبدلاً من أن يعترف النظام السوري بالحقيقة، ويبحث عن حلول جدية وناجعة، انغمس في مواجهة مواطنيه، وأطلق أيدي الميليشيات التي تمارس أبشع الجرائم، بما في ذلك القتل والتمثيل بأجساد القتلى واختطاف المرضى والجرحى ومداهمة المنازل الآمنة، بل واغتصاب نساء، كما تورد المعارضة السورية، في عملية ترهيب وحشية وواسعة لم تشهدها بلدان الربيع العربي سوى ليبيا. والآن، تنتقل سوريا إلى مرحلة جديدة بعد تجميد عضوية النظام السوري في الجامعة العربية. وهي مرحلة أيضاً تتطلب معالجة جديدة ومختلفة، فإذا استمر النظام بنفس معالجاته السابقة وحلوله، ومحلليه وفلسفته، فإنه سوف يرتكب أخطاء أكثر بشاعة وقسوة؛ لأن النظام سوف يناطح الجبال، فالشعب السوري الآن ليس وحده، وإنما تسانده الأمة العربية بأسرها، وكثير من شعوب العالم ودوله، ومنظماته الحقوقية وكل الخيّرين في العالم، فيما يبقى النظام وحيداً في مواجهة الحقيقة الساطعة. وإرادة السوريين الذين قدّموا أثماناً غالية لصمود هذه الإرادة والتصميم على التخلص من نظام مستبد وطائفي ومجحف، اختطف سوريا من عالمها العربي، وحوّلها إلى رهينة ليهديها إلى القوى الأجنبية، بشعارات مقاومة جوفاء مجمدة منذ أربعين عاماً.