سيبدأ المراقبون العرب للأوضاع المستباحة في سوريا، في التوافد إلى هذا البلد غداً، ومع أن مهل الجامعة العربية المديدة قد أعطت النظام السوري الوقت الأكثر من كاف لتسوية الأمور على طريقته وبأساليبه القمعية، فإن المراقبين العرب سوف يدخلون في جولة أخرى من المشادات مع النظام، لأن المعارضة السورية تجزم بأن قبول النظام بحضور المراقبين لم يكن بهدف الجنوح إلى السلام أو التجاوب مع تطلعات السوريين، إنما بهدف شراء المزيد من الوقت للاستمرار في تصفياته في شوارع المدن السورية. والدليل أن النظام اغتنم الأيام الأخيرة، بعد توقيعه البروتوكول، وترتيب سفر المراقبين، لتصعيد معدل القتل اليومي في صفوف المعارضين. كما أن المعارضة السورية، تجزم أيضاً بأن الهجوم على مقري الأمن في دمشق الأسبوع الماضي، كان من تخطيط أجهزة النظام كي يعطي مصداقية لادعاءاته بوجود شبكات إرهابية في سوريا. والأهم الآن أن يبدأ المراقبون مهماتهم بحزم وقوة وأن يحتاطوا لخطط النظام التي تهدف إلى توظيف المراقبين لصالحه ولوضع الأحجبة على أعين المراقبين، وزرع العراقيل في طريق مساعيهم، وربما تهديدهم، وربما تدبير محاولات لقتلهم إن لم يلتزموا بتعليماته، فهذا النظام الذي يطلق حمم آلة القتل الحربية على مواطنيه، وأسقط منهم الآلاف وغيب عشرات الآلاف في عشرة أشهر فقط، وعرض البلاد إلى اضطرابات وفتن، لن يتورع عن قتل بضعة مراقبين عرب، للتستر على جرائمه، كي يتهم الجماعات المسلحة، التي اخترع وجودها، باستهداف المراقبين، ومنعهم من تأدية مهامهم. ويتعين على مهمة المراقبين الدوليين أن تثمر سحب آلات الحرب من شوارع المدن السورية وسحب المسلحين وميلشيات النظام مدنية وعسكرية من الشوارع، وإطلاق سراح كافة الموقوفين بتهمة سياسية وهم الذين يتم جمعهم من شوارع المدن الثائرة، وتوجه إليهم تهم صورية، ويرغمون على الإدلاء باعترافات يقرون فيها بجرائم لم يرتكبوها. وأن يتأكد المراقبون من تبييض حقيقي للسجون، السرية والمعلنة، من كل المعارضين الذين أدخلهم في ظلماتها، وأن تعطى الأغلبية السورية الحرية الكاملة للتعبير عن إرادتها واختيار من يحدد مستقبلها ومستقبل بلادها. والأهم ألا تنام الجامعة العربية لأن النظام السوري لا يبدو أنه يستعد للجنوح إلى السلام أو ينوي إجراء أية إصلاحات. ولو كانت نواياه صادقة، لكانت عشرة أشهر كافية كي ينجز فيها إصلاحات يتطلع إليها السوريون، ولا ينتظر أن يرغمه الآخرون على إجراء الإصلاحات، ولا ينتظر أن يدفع السوريون آلاف الضحايا وعشرات الآلاف من المعتقلين، ثمناً للإصلاح. ولو أن النظام كان ينوي التخلي عن أساليبه الإجرامية لما واصل عملياته القمعية والمذابح اليومية في المدن السورية طوال عشرة أشهر، فهو لا يزال يستمر بذبح السوريين حتى قبل ساعات من وصول المراقبين. مما يعني أن آلته الحربية مستمرة في عملها، ولن يوقفها المراقبون، والنظام مستعد للسير في الحل الأمني، ولا يبدو أنه يملك حلاً آخر.