فوجئ اهالي المنطقة الشرقية صبيحة الامس بخبر تسرّب غازات ضارة في الجو من احد مصانع المدينة الصناعية الاولى بالدمام.. واذا كان الامر بالنسبة للأهالي وعموم المواطنين موضع مفاجأة فإنه بالنسبة للمخططين وللصناعيين لم يكن كذلك، بل كان امراً من المتوقع حصوله في أي وقت. وهي ليست المرة الاولى التي تقع فيها حوادث مشابهة في المدينة الصناعية او ما جاورها. إذ إنه قبل ما يقارب ثلاث سنوات وقعت حادثة مشابهة وعلى مقربة من موقع الحادث وقد كانت الامور تنذر بما هو اخطر من مجرد حريق ولكن تم تدارك الامر ولله الحمد. يطرح تسرّب الغاز هنا مشكلة الاستعمال غير المناسب للاراضي وسط الاحياء السكنية.. فعندما انشئت المدينة الصناعية الاولى في موقعها الحالي كانت تعتبر في ضواحي الدمام ومع زحف العمران شرقاً وجنوباً اصبحت المدينة الصناعية الآن محاطة من جميع الجهات بأحياء سكنية من بعض الجهات فيما العمران زاحف بسرعة نحوها من جهات اخرى. في علم التخطيط العمراني، هناك مادة يعرفها المتخصّصون تسمى "استخدام الاراضي" وهي تعني ببساطة تخطيط المدينة او المنطقة الحضرية، يتم بموجبها تخطيط المدينة وتوزيع احيائها وخدماتها ومرافقها بناء على تشابه الانشطة وتكاملها مع بعضها البعض. رُبَّ ضارة نافعة.. فلعل هذا الحادث الذي حظي بتغطية مكثفة من الاعلام يدقُّ ناقوس خطر امام الجهات المعنية (امانة المنطقة الشرقية، وزارة التجارة، الدفاع المدني، إلخ) لنقل هذه المصانع والمستودعات في المناطق المجاروة الى مكان آخر.. إذ إن هذا مطلب اجتماعي وبيئي وحضاري وهو محل اتفاق بين كافة الاطياف الاجتماعية.. هذه المرة حصل خير، ولكن لكي لا تقع كارثة، لا سمح الله، فقد آن لهذه المصانع والمستودعات ان ترحل الى مواقع اخرى، فسلامة الناس فوق كل اعتبار. هنا وبإلقاء نظرة سريعة على مخطط استخدام الاراضي بالمنطقة الشرقية تبدو المدينة الصناعية في المكان غير المناسب لها تماماً، وقد لفتها الاحياء السكنية من كل جانب مما يوجب اعادة دراسة استخدام الاراضي في المنطقة الصناعية، وما جاورها في ضوء التغيّرات السكانية ونمو المدينة وتمدّدها باتجاه مدينتي الظهران والخبر. ما ينطبق على المدينة الصناعية الاولى ينطبق ايضاً على المنطقة المقابلة لها من جهة الميناء (الخالدية) اذ إن هذه المنطقة مليئة بالمستودعات والورش الصناعية – بعضها كيميائي المنشأ وكثيراً ما نشبت الحرائق في هذه المنطقة اما بسبب اهمال اجراءات الاحتياط والسلامة او بسبب احراق بعض المخلفات بجوار هذه المستودعات.. غير ان بناء المستودعات في تمدّد مستمر وهو ما يوجب اعادة النظر في وقف بناء هذه المستودعات نظراً لأنها هي الاخرى اصبحت محاطة بالاحياء السكنية. الحلول من الناحية المبدئية بسيطة، فليس هناك اسهل من ازالة هذه المستودعات والمصانع ونقلها الى المدن الصناعية او حيث يتم الاتفاق على مكان خاص مناسب لها لا تشكّل فيه خطراً على السكان والبيئة.. غير انه ومن سابق التجارب فقد لا يكون الامر مدعاة للتفاؤل لاسباب تتعلق اما بندرة الاراضي المراد نقل هذه المصانع اليها، او الى تداخل الملكيات والمسؤوليات بين هذه الاراضي ما بين جهات حكومية والقطاع الخاص او وقوع هذه الاراضي في نطاق ممتلكات ارامكو وما شابه ذلك.. ومن الممكن سياق الكثير من الاعذار والحجج التي قد تعطل تنفيذ مثل هذا الحل. غير ان لنا في سابقة ازالة مصنع سافكو مثالاً واعداً لذلك.. اذ انه وبعد معاناة طويلة من اهالي المنطقة المجاورة للمصنع تمت ازالته الى موقع المصنع الشركة الام في الجبيل.. الذي عجّل بإزالة مصنع سافكو كان الدخان الذي ينفثه المصنع، وقد كان يرى رأي العين من مسافات بعيدة وكانت رائحة الامونيا تكتم انفاس المجاورين للمصنع.. غير ان ملوثات مصانع المدينة الصناعية لا ترى بالعين المجردة وبالتالي فإن مخاطر النفايات التي تطرحها هذه المصانع – نظراً لعدم اعطاء الامر جديته - لا يمكن للعين تقديرها وهو لا يعني غيابها ان لم يؤكد وجودها اصلاً. رُبّ ضارة نافعة.. فلعل هذا الحادث الذي حظي بتغطية مكثفة من الاعلام يدق ناقوس خطر امام الجهات المعنية (امانة المنطقة الشرقية، وزارة التجارة، الدفاع المدني، إلخ) لنقل هذه المصانع والمستودعات في المناطق المجاروة الى مكان آخر.. اذ إن هذا مطلب اجتماعي وبيئي وحضاري وهو محل اتفاق بين كافة الاطياف الاجتماعية. هذه المرة حصل خير.. ولكن لكي لا تقع كارثة، لا سمح الله، فقد آن لهذه المصانع والمستودعات ان ترحل الى مواقع اخرى، فسلامة الناس فوق كل اعتبار.