رحلة هادئة بعيدا عن صخب المدينة، والصحبة كتاب يجمع خبرة أديب متفرد، ماركيز، ذلك العبقري الذي يشرح النفس البشرية بمهارة فائقة، أحب ماركيز البشر، واختاره انتماء، بوضوح يكشف كذب أصحاب منهج الحياد، فهو ينتمي للإنسان، ويحمل المعاناة الإنسانية بقلبه وعقله، فعرف كيف يعبر بأعماله عن جوهر الصراع الإنساني، لم يكن الكتاب تلك المرة رواية جديدة، فقط بعض الرسائل والخطب التي ألقاها بمناسبات مختلفة، ووجدت كيف أن ذلك الكتاب الصغير يجمع خبرة عميقة امتدت لعقود، وبإحدى خطبه أمام مؤتمر للأدباء، حكى ماركيز عن مشروع رواية لم يحدد بعد كيف سيكتبها، والحكاية ببساطة تدور داخل قرية، حيث تستيقظ امرأة لتخبر أولادها أن لديها شعورا بأن شيئا عظيما سيحدث اليوم، يسخر منها الأبناء ويتنادرون مع أصدقائهم، ثم يمتد الأمر للسوق، فيبدأ أهل القرية بتخزين الغذاء، وقرب المساء قرر غالبية أهل القرية الهجرة، خرجت المرأة أمام بيتها مساء ونظرت للحشود الخارجة من القرية، وقالت: ألم أخبركم أن شيئا عظيما سيحدث اليوم، إلى هنا انتهت حكاية ماركيز التي أعتقد أنه لم يكتبها كرواية طبقا لمتابعتي لأعماله،يتميز هذا الأدب بدقة الحكي، وبساطة الحبكة، وما يسود النفس البشرية ويسيطر عليها من مشاعر خلال عملية الحكي الطويلة غالبا، أن الإنسانية بحاجة دائما لهذا النوع، فالبشر يحبون الحكايات، يحبون أن يروا انفسهم داخل الحكاية، هذا هو جوهر العلاقة بين الطرفين.لكني توقفت طويلا أمام تلك الحبكة الدرامية العميقة والبسيطة بنفس الوقت، أن الحكاية تجسد علاقة الإنسان بشعور الخوف، فالجميع يشترك بذلك الشعور العميق والموجود داخلنا دائما، الخوف من المجهول هو أحد أعمق المشاعر الإنسانية، وهذا ما عبر عنه ماركيز ببساطة، أهل القرية جمعهم الخوف المتصاعد برغم عدم وجود أي معلومة حقيقية، الخوف عطل التفكير، حتى مثقفو القرية قرروا الهجرة، ليست قوة الإشاعة وسرعة انتشارها هي جوهر الحكاية، ليست ثقافة وجهل سكان قرية نائية، أن ماركيز يحكي ببساطة متناهية عن الإنسان الخائف غير المستقر، خوف من العالم والحروب والصراعات، خوف من المستقبل المجهول، خوف على الحياة المهددة باستمرار، لم يستقر الإنسان بظل عالم لم يحقق العدل، عالم يقوم بقهر الإنسان، ويسرق حريته، أن ماركيز وهو عميد كتاب أمريكا اللاتينية أسس لمدرسة أمريكا اللاتينية الأدبية، تلك المدرسة التي تربط بين حياة الإنسان العادية من خلال تطور المشاعر الإنسانية، أدب يقوم على فضح السياسة والفقر والظلم، دون ضجيج، وانتشرت المدرسة الجديدة لتسود العالم على يد رواد عظام مثل ماركيز وأزبيل اللندي، ويتميز هذا الأدب بدقة الحكي، وبساطة الحبكة، وما يسود النفس البشرية ويسيطر عليها من مشاعر خلال عملية الحكي الطويلة غالبا، أن الإنسانية بحاجة دائما لهذا النوع، فالبشر يحبون الحكايات، يحبون أن يروا انفسهم داخل الحكاية، هذا هو جوهر العلاقة بين الطرفين. [email protected]