في صالة الانتظار بمطار الملك خالد بالرياض، وكنت قادما، يومذاك، من الباحة متجها إلى المنطقة الشرقية، وقفتُ أمام شاشة جدول الرحلات لمعرفة موعد الصعود إلى الطائرة، ورقم البوابة. فالمعلومات المدوّنة على بطاقة صعود الطائرة قد لا تكون دقيقة أحيانا، وهذا ما حدث بالفعل. فرقم البوابة المدوّن على البطاقة غير الرقم الموجود على الشاشة. لكن، ليس هذا هو بيت القصيد. ما أريد أن أحدثكم عنه، هو أنه أثناء وقوفي أمام الشاشة جاء شخص ليزيحني بذراعه من مكاني كي يتسنى له النظر إلى الشاشة. كانت الشاشة في مستوى مرتفع، ويستطيع المسافر أن ينظر إليها من أية زاوية شاء. أي أن صاحبنا لم يكن بحاجة إلى تلك الحركة غير اللبقة. لم يقل «معذرة» أو «عفوا» أو «لو سمحت» أو أية عبارة من عبارات التعامل الاجتماعي المهذب. نظرت إليه فالتمست له العذر، فقد كان قصير القامة، وكان علي أن أحمله على كتفي لكي يرى الشاشة. لم أعلق على ذلك التصرف الغريب الذي ينقصه التهذيب لأني لست معنيا بإصلاح سلوك الغرباء. وقد تصبح ملاحظتي مجرد «صرخة في واد، ونفخة في رماد». هذه أمور إذا لم يتعلمها المرء منذ صغره في البيت والمدرسة والبيئة المحيطة به فلن يمارسها بقية حياته. مع ذلك، أتصور أحيانا أن التربية وحدها لا تكفي، لأن «الطبع يغلب التطبع» كما يقال، وقد يكون للباقة والتهذيب علاقةً بالجينات، أي أنها موروثة وليست مكتسبة. ذلك مجرد انطباع لا أستطيع الجزم بصحته. لم تكن تلك هي الملاحظة الوحيدة المتعلقة بأمور اللباقة في ذلك اليوم. صعدت إلى الطائرة، وفي درجة رجال الأعمال، كان أحدهم يحتل المقعد الأول، وكان يفترض أن يكون في المقعد الرابع. جاء الراكب صاحب المقعد الأول وعرض عقب بطاقة صعود الطائرة على المضيفة التي تدخلتْ لتخبر الراكب الآخر أن هذا المقعد ليس له. لكن لأننا في مجتمع شعاره «المسامح كريم» فقد تنازل الراكب المهذب المتسامح عن مكانه. في بعض المجتمعات يفضل الناس شعار «لا يصح إلا الصحيح» على شعار «المسامح كريم»! هل انتهت لقطات ذلك اليوم؟ لا.. هنالك لقطة أخرى تستحق الذكر. فبعد أن انتهى قبطان الطائرة من الترحيب بالركاب، تُليتْ تعليمات السلامة التي لا يصغي إليها أحد. لكن بعض تلك التعليمات مهم للغاية، ومن ذلك، على سبيل المثال، إغلاق أجهزة الهاتف المحمول. بدأت الطائرة تتحرك. لكن جاري على متن الطائرة لم يغلق هاتفه. بدأت تقلع ولم يغلق هاتفه. كانت لديه على ما يبدو مكالمة أهم بكثير من سلامته وسلامة ركاب الطائرة. لم أقل له شيئا فقد كانت تعليمات السلامة أوضح من الشمس في رابعة النهار، لكن صاحبنا، كما بدا لي، من أولئك القائلين بأن القوانين تُسنُّ لكي تُخالف. ترى، لماذا لا يلتزم بعض الركاب بالتعليمات وبأماكنهم المخصصة؟ ولماذا لا يُحترم النظام في كل شأن من شؤون حياتنا؟ أين يكمن الخلل؟ وهل هي مسألة انفلات وعدم رغبة في الانضباط، أم هي قلة لباقة؟ أم الاثنان معا؟ [email protected]