تحدّثنا في مقالنا السابق عن تأثير قوة وإرادة الشعب السوري على المحيط والمجتمع وسبق أن أكدنا أنّ تجارب واشنطن الصعبة مع تغيّر الأنظمة فجأة في العهود الثورية جعلتها أكثر حذراً في انتظار مآلات مصير الأنظمة ولذلك فقد كان إعلانها الأخير هو ضمن خطتها في اتخاذ موقف مع المستقبل الجديد. وبغض النظر عن أي مساعٍ لواشنطن لتطويق مستقبل سوريا الدولة المدنية والحرية الثورية خشية على مصالحها إلا أنّ تشديدها في فقدان النظام شرعيته وتصريح جوبيه وزير الخارجية الفرنسية بدا كأنه الرد الأخير على رامي مخلوف بأن استقرار النظام ضامن لاستقرار تل أبيب، فهُنا واشنطن لم تعُد مؤمنة بقدرة النظام على البقاء وان النظام استهلك قوته التي خدم بها امن إسرائيل في الجولان، أي أنّ هذه القوى تتعامل على انه زائل لا محالة ولم يعد بالإمكان تأمين تل أبيب عبره، كما جرى في العقود الماضية، وهنا الرسالة التي تعنينا من تأكيد فقدان الشرعية واتخاذ تل أبيب إجراءات أمنية طارئة تحسباً للمستقبل الجديد. ان المؤشرات القائمة تُدلل على إمكانية قيادة الداخل التي أعلنت، وأعلنت معها المعارضة الخارجية رفضهم أي تدخُّل عسكري خارجي، وأثبتت قوتها ووحدتها ومراعاتها لحقوق الطوائف في أكثر الأزمات التي مرّت على سوريا الحديثة، في حين كان حليف النظام السوري وهو طهران محطة العبور عبر أرضه وسياسته وثقافته لتحطيم العراق ووحدته الاجتماعية، أفلم يكن أجدى بالمثقفين العرب حلفاء طهرانودمشق وعظ أصدقائهم في إيران بدل التحريض على الشعب السوري ..؟ تغيُّر الموقف الخليجي كان لافتاً للمشهد العام تغيّر الموقف الخليجي إضافة إلى محاولة نبيل العربي أمين الجامعة العربية التخفيف من آثار تأييده السابق للنظام السوري بعبارات قلق وتردد ثم التقدّم بمبادرة الجامعة التي رفض النظام قبول استقباله لها، ثم قبل بعد تردد في إشارة لاضطرابه وهناك مسئولية كبيرة على الأمين العام بألا يستغل النظام المبادرة أو يغيّرها ضد خيارات الشعب السوري، لكن من غير شك أنّ خطاب خادم الحرمين كان الأبرز من حيث سقف إعلانه موقفه من المذابح وتركيزه على مخاطبة الشعب السوري وسحبه سفيره، وإن وجّه الحديث للأسد عن الإصلاح فهي ناحية برتوكولية لا أكثر، إذ إنّ الجميع يعلم أنّ حديث الإصلاح أضحى صفحة من التاريخ الماضي لا أكثر. ويهمني هنا أن أعيد التأكيد على ما ذكرناه سابقاً من ارتباك الموقف الإيراني الذي هدّد الخليج في مقابلة الأخبار اللبنانية في تموز بتحريك أذرعه فيها ضد دولها تضامناً من نظام الرئيس بشار، وذكرنا في حينها أن هذا التصريح دليل اضطراب ويبدو انه جاء الآن في الاتجاه المعاكس لما تؤمله رسالة المسئول الإيراني في الأخبار اللبنانية. في كل الأحوال كانت رسالة مهمة في توقيتها ذات تأثير سلبي على توازنات النظام وتفسح من خلال العواصم الخليجية مدارات تفاعل شعبي كبيرة مع الثورة السورية، في ذات المسار فإن تطور أحداث الثورة وتوثيق المشاركة الأمنية الإيرانية وعناصر حزب الله اللبناني ضد الشعب السوري بدا لأول مرة مؤثّراً ومقلقاً للطرفين وأصدرت طهران وحزب الله بيانات دفاعية عن موقفهما بعد أن كان التضامن مع النظام كلياً محل اعتزاز معلن من طهران وحزب الله، وهذا التضامن مستمر، لكن المقصود ضعّف موقفيهما أمام توثيق المشاركة الأمنية لهما ضد الشعب وتعزيز الامتعاض الشعبي العربي لمشروع طهران الطائفي وحزب الله ووضعية شراكته مع نظام الأسد، ورغم أنّ هناك من يحاول جرّ هذا المأزق الإيراني إلى مجمل الحالة في المنطقة لتبرير الدفاع عن النظام وتحديداً خيار سقوطه، إلا أنّ هذا الجدل هدفه خطير من ناحية إذكاء هذه المشاعر في المنطقة لتخلق حاجز ردع وهمياً يحول دون سقوط النظام وكأنما كفاح الشعب السوري وحريته قربان فداء على الثورة السورية أن تقدّمه بلا مقابل بحسب موقف أنصار إيران في المنطقة من المثقفين العرب. وهذا التقاطع الذي يتحصّل عليه الشعب السوري وينتزعه عبر صموده إنما هو جزء مشروع للثورة التي واجهت منفردةً خصماً لا طالما لعب بطاقاته مع المحيطَين الإقليمي والدولي لمصالحه على حساب مصالح الشعب، وان المؤشرات القائمة تُدلل على إمكانية قيادة الداخل التي أعلنت، وأعلنت معها المعارضة الخارجية رفضهم أي تدخل عسكري خارجي وأثبتت قوتها ووحدتها ومراعاتها لحقوق الطوائف في أكثر الأزمات التي مرّت على سوريا الحديثة، في حين كان حليف النظام السوري وهو طهران محطة العبور عبر أرضه وسياسته وثقافته لتحطيم العراق ووحدته الاجتماعية.. أفلم يكن أجدى بالمثقفين العرب حلفاء طهرانودمشق وعظ أصدقائهم في إيران بدل التحريض على الشعب السوري ..؟ من الواضح أن صمود الشعب أعاد اعتماد المجتمع العربي والتركي والدولي وصمتهم السلبي الخطير للقضية ولكن هذه العودة باتت تعطي مؤشرات كأنه المشهد الأخير من ترنّح النظام، ولذا فالجميع مسئول عن نصرة هذا الشعب الذبيح.. والتقليل من شهدائه ومنع آلة القتل من الاستمرار، والغريب تلك الصورة التي قرأتها في إيمانية الشعب وفعاليات الثورة، وهم يتفاءلون بقرب الخلاص رغم الآلام والدماء والفداء ليقودهم الأمل بعد عيد الفطر الحزين لعيد التحرير، تشرق فيه سورية الحرية وتصلي للشهداء وتغني لمناضليها.. قد عادت دمشق العربية ويغني العالم لشعبها العظيم.