الحمد لله رب العالمين أن أكمل علينا نعمه بصيام الشهر الفضيل وقيامه، وتهنئة بالعيد من القلب أبعثها الى القلوب المؤمنة أنه عيد مفعم بالسعادة الغامرة والبركات، فالأرواح تتطلع الى السماء تسبّح خالقها حمداً وشكراً ودعاء أن يعم الأمن والسلام والرخاء أرجاء العالم، وأن نجعل من هذا العيد فرصة لعودة الصفاء الى القلوب الوالهة وتجديد مشاعر المحبة والعشق الجميل بين الأزواج وبين الآباء والأبناء وبين الإخوة والأخوات وبين المعارف والأصدقاء ولتعود العلاقات التي تأثرت سلباً بالمواقف والمشكلات الحياتية صافية متلألئة بالفرح والسرور والمشاعر الكريمة والعواطف الجميلة حباً وبراً ورضا، قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}. لقد تأكدت من حقائق عن القلب تلك المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، وهذا القول للنبي المصطفى محمد رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، ومن تلك الحقائق أن القلب المفعم بالصفاء والمحبة وعدم الكبرياء والغرور وعدم الحقد والحسد والكراهية وعدم الاحتقار للإنسان الآخر مهما كان هو أسعد القلوب، وصاحبه أقرب الى الله تعالى ورسوله وأقرب الى قلوب الناس، بل ويتمتع بسعادة وبهجة وسرور وصحة في القلب والنفس والجسد، (وفي مؤتمر القلب الأخير بالأحساء أكد العلماء المشاركون بأبحاثهم العلاقة بين المشاعر النفسية وحالة القلب الصحية) ويعيش صافي القلب دنياه في رحاب المحبة والسعادة التي ترفرف عليه وعلى أسرته وتنعكس في تفوّق أولاده ذكوراً وإناثا وفي علاقاته بالآخرين. فدعونا أيها المؤمنون نجعل من هذا العيد المبارك فرصة لعودة العلاقات الجميلة المضمّخة بالتسامح وكرم الأخلاق والتعاون على البر والتقوى ولتشرق الوجوه بابتسامة المودة وذلك بنسيان أو تناسي ما حدث في الماضي من مواقف مشحونة بالكراهية فرّقت بين المحبين، وأحدثت شروخاً في العلاقات وربما أدمت بعض القلوب فحوّلت حياتها الى ظلام في الرؤية والتفكير والمشاعر، وما أروع أن يبادر من تعرّض للأذى في الماضي أن يشعر من آذاه بأنه سامحه ولم يعد يحمل عليه أي شيء في نفسه عملاً بقوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} وحينئذ سيشعر بفيض من رضا الله عليه، وسترتفع مكانته عندالله وعند الناس. تعرضت في الماضي الى إيذاء من أحد الأشخاص دون سبب أعرفه وربما كان لشيء في نفسه الله عليم به، وذلك حينما كنت مديراً لثانوية الأحساء وبعد عودتي من البعثة تم تعييني عميداً للقبول في الجامعة فجاء الشخص الى مكتبي ومعه ابنه وكانت درجاته تنقص الكثير عن شروط القبول، رحّبت به واستلمت أوراقه وذهبت الى مدير الجامعة ليستثنيه من شروط القبول فتم ذلك ثم أكملت إجراءات قبوله، وأخبرته فرأيت الأب يكاد يبكي فسألته عن السبب فقال قد آذيتك في الماضي كثيراً دون أن تسيء لي، ورغم ذلك ساعدت ابني كثيراً فقلت: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} وإني سامحتك ومن واجبي أن أساعد ابنك ما أمكن. قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} فصلت34. [email protected]