بعد الموافقة الأخيرة لمجلس الشورى على دراسة فرض رسوم على الأراضي البيضاء ارتفعت الأصوات المعترضة من جديد وخاصة من قبل تجار الأراضي وبعض الكتاب المهتمين بهذا المجال، واستمر هؤلاء بترديد الحجة القديمة الجديدة، وهي أن الرسوم التي ستفرض على الأراضي سيتحملها المستهلك النهائي وليس التاجر. البعض انطلت عليهم هذه الحجة، وسأحاول من خلال هذا المقال أن أوضح أن هذا الإدعاء أقرب للخرافة، ولا يمكن من الناحية المنطقية والاقتصادية وبناء على وضع سوق الأراضي الحالي أن ترتفع الأسعار بعد سن الرسوم. في مقال سابق بعنوان (كيف يفكر تاجر الأراضي) أوضحنا أن تاجر الأراضي يهدف دائما إلى الاحتفاظ بأراضيه لأطول مدة ممكنة، ولا يبيعها إلا اذا احتاج النقد بشكل ماس، ولذلك فهو يحاول دائما بيع أقل مساحة ممكنة من الأراضي للحصول على المبلغ الذي يحتاج لاستخدامه، ولذلك فإنه لو تم فرض رسوم على الأراضي (مثلا 2% سنويا على قيمة الأرض السوقية)، فإن تاجر الأراضي سيحتاج النقد وبشكل سنوي لدفع هذه الرسوم، وللحصول على النقد فإن عليه أن يبيع جزءا من أراضيه البيضاء، وبالتالي فلو كان التاجر يملك أراضي بيضاء بقيمة 100 مليون ريال، وكان يبيع منها سنويا ما قيمته 3 ملايين ريال لتغطية احتياجاته الشخصية، فإنه الآن يحتاج 2 مليون إضافية لدفع رسوم الأراضي، أي أن قيمة الأراضي التي يجب أن يبيعها يجب أن تزيد قيمتها على 5 ملايين. أنا متأكد تماما أن تجار الأراضي يعلمون هذه الحقيقة وأنهم لن يستطيعوا بيع الأراضي بسعر أكثر لو تم فرض الرسوم، ولكن كل ما يرددونه هو محاولة يائسة لتخويف الناس من هذا القانون المرتقب. ولو كان تاجر الأراضي قبل فرض رسوم الأراضي يبيع 3000 متر مربع للحصول على الثلاثة ملايين ريال (أي 1000 ريال لكل متر مربع)، فهل هو قادر الآن أن يبيع نفس المساحة (3000 متر مربع) للحصول على خمسة ملايين (أي أن سعر المتر يصبح 1670 ريالا)؟ الجواب بكل تأكيد : لا. ولو كان قادرا على بيع المتر المربع ب 1670ريالا لفعل ذلك قبل فرض الرسوم. فتاجر الأراضي بدهيا لن يبيع إلا بأعلى سعر يستطيع المشتري دفعه، لذلك فإن الحل الوحيد لتاجر الأراضي للحصول على الخمسة ملايين التي يحتاجها بعد فرض الرسوم هو بيع مزيد من الأراضي، وهذا يعني - يقينا - أن المعروض من الأراضي البيضاء سيزداد، وبالتالي فإن أسعار الأراضي ستنخفض مباشرة. أنا متأكد تماما أن تجار الأراضي يعلمون هذه الحقيقة وأنهم لن يستطيعوا بيع الأراضي بسعر أكثر لو تم فرض الرسوم، ولكن كل ما يرددونه هو محاولة يائسة لتخويف الناس من هذا القانون المرتقب، ولو كانوا فعلا مقتنعين بأن الأسعار سترتفع، فلماذا الاعتراض، فهم لم يراعوا احتياج المواطن على أية حال واحتكروا الأراضي لسنوات طويلة، فهل بدأوا الآن فقط بالاهتمام بمصلحة المواطن؟ [email protected]