مازالت أسعار الأراضي في ارتفاع مستمر وفي نفس الوقت يظهر على هذه السوق نوع من الجمود، ويستغرب كثير من المحللين استمرار الارتفاعات بالرغم من عدم وجود حركة كبيرة للبيع والشراء. كما يختلف الناس في تحليلهم آثار أي رسوم يمكن أن تسن في المستقبل على الأراضي البيضاء، وحتى نتمكن من تفسير هذه الظواهر ونتوقع نتائج أي قوانين مستقبلية يجب علينا أن نحلل سلوك تاجر الأراضي ونفهمه. عندما يشتري تاجر الأراضي أرضا فإن هدفه الأول هو الاحتفاظ بها للأبد أو لأطول مدة ممكنة، ولا يبيعها إلا اذا احتاج الى النقد، فالأرض في نظره أفضل وسيلة لحفظ الثروات، خاصة أنها لا تأكل ولا تشرب ولو مرضت فهي لا تموت، لكنها دائما تكبر كما يردد دائما تجار الأراضي، لذلك فتاجر الأراضي يبيع من أراضيه بقدر ما يحتاج من نقد لتغطية مصاريفه الشخصية السنوية. فلو كان هذا التاجر يملك 100 ألف متر مربع من الأراضي البيضاء، ومعدل سعر المتر لأراضيه هو 700 ريال، فهذا يعني أن القيمة الإجمالية لأراضيه هي 70 مليون ريال، ولو افترضنا أنه يحتاج لمصاريفه الشخصية السنوية 3 ملايين فإنه سيبيع من أراضيه حوالي 4300 متر مربع. في أسواق السلع غير المشوهة وغير المحتكرة، عندما تزداد كمية الطلب تزداد كمية الشراء ويزداد السعر تبعا لذلك، لكن المفارقة والحالة الاستثنائية التي تعيشها أسواق الأراضي في السعودية أنه كلما زاد الطلب زاد السعر ، وفي نفس الوقت قلت كمية البيع، ولتوضيح السبب؛ لنرجع إلى مثال التاجر الذي يملك 100 ألف متر مربع، هذا التاجر يحتاج الى 3 ملايين ريال سنويا. ويستغرب كثير من المحللين استمرار الارتفاعات بالرغم من عدم وجود حركة كبيرة للبيع والشراء. كما يختلف الناس في تحليلهم آثار أي رسوم يمكن أن تسن في المستقبل على الأراضي البيضاء فلو ارتفعت أسعار الأراضي وأصبح معدل المتر 900 ريال بدلا من 700 ريال، فإنه سيحتاج لبيع 3400 متر مربع فقط لتغطية نفس المبلغ الذي يحتاجه في الوقت الذي كان يحتاج فيه لبيع 4300 متر عندما كان المعدل 700 ريال، لذلك فإن ما يحدث حاليا هو أن تجار الأراضي لا يبيعون إلا لشريحة صغيرة جدا من المواطنين لديهم دخل مرتفع جدا قادرين على شراء الأراضي بالأسعار التي تغطي احتياجات التجار من المصاريف سنويا، وفي نفس الوقت تمكنهم من بيع الحد الأدنى من الأمتار ، وهذا يعني أننا نعيش في دوامة مستمرة، وسنصل لمرحلة لا يشتري فيها الأراضي إلا الأثرياء وبأسعار فلكية، ويحرم الغالبية العظمى من المواطنين من امتلاك أرض وسكن، وستستمر الإيجارات بالارتفاع، وستستمر معاناة المواطن إلى أجل غير مسمى أو إلى أن يتم فرض الرسوم أو الزكاة على الأراضي البيضاء، وهذا ما سنفصل فيه في المقال المقبل.