تركي العبد الحي – سبق – الخبر: قال الكاتب الصحفي المتخصص في القضايا الاقتصادية عصام الزامل: إن ارتفاع أسعار الأراضي هو المشكلة الرئيسية التي تعيق امتلاك المساكن للمواطنين، والارتفاع في أسعار الأراضي سببه الرئيسي احتكار التجار للأراضي البيضاء غير المستخدمة . وشن الزامل في حوار أجرته معه "سبق" هجوماً لاذعاً على تجار العقار وقال: الآثار الاقتصادية لتحويل الأراضي لسلعة مضاربة واحتكار بدل أن تكون سلعة استخدام، كثيرة جداً. وقد لا تسعها الكتب. ولكن أهم الآثار السلبية هو الارتفاع الكبير جداً في تكلفة تملك المساكن، والارتفاع الكبير جداً في تكلفة استئجار المساكن والشقق، بالإضافة إلى التأثير المباشر أيضاً على قطاع الأعمال، حيث أصبح من الصعب الدخول في العمل الخاص الصغير والمتوسط بسبب الإيجارات المرتفعة التي تقلل من ربحية المشروع، وقد تؤدي لإفلاسه في فترة قصيرة.
ودعا الزامل الجهات المعنية إلى سن قانون وتنظيم جديد يمنع احتكار الأراضي البيضاء، ويجبر محتكري الأراضي على بيعها أو الاستفادة منها، مؤكداً أن الشريعة الإسلامية تمنع الاحتكار وتعتبر الأرض هبة من الله يجب الاستفادة منها وليس المضاربة بها كسلعة .
وكان الزامل قد كتب مقالاً صحافياً قال فيه: إن السعر العادل للأرض لا يتجاوز 135 ريالاً للمتر، وفي حال أضفنا هامش ربح 20 % للمطور والمسوق، فإن سعر المتر الواحد السكني لن يتجاوز بأي حال 162ريالاً، متهماً تجار العقار بالجشع والمضاربة والاحتكار . ويضيف الزامل: "إذا كان معدل المساحة اللازمة لبناء المنزل هي 400 متر مربع، فإن السعر العادل لهذه الأرض بعد حساب تكلفة التطوير وهامش الربح للمستثمر المطور يجب ألا يتجاوز 65.000 ريال، وهو السعر العادل لأرض مكتملة الخدمات يمكن للمواطن أن يبني فيها بيت العمر، لحظة تسلمه لصك الأرض . ويحدد الزامل ثلاث جهات رئيسية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن ارتفاع أسعار الأراضي: 1- تجار الأراضي الذين يحتكرون عشرات الملايين من الأمتار لأراضي بيضاء، يرفضون بيعها ويفضلون اكتنازها لسنوات طويلة حتى ترتفع أكثر. 2- البلديات التي لا تبادر بتطوير أراضي المنح الحكومية، كما لا تبادر بزيادة النطاق العمراني. 3- الجهات التشريعية، لعدم فرضها الزكاة أو الرسوم على الأراضي . ويحذر الزامل في حديثه ل "سبق" من إقرار نظام الرهن العقاري قبل سن تشريع واضح لمنع احتكار الأراضي وارتفاع أسعارها، قائلاً: "الرهن العقاري سيكون كارثة على المواطن لو تم تطبيقه قبل حل مشكلة احتكار الأراضي. حيث ستزداد أسعار الأراضي أكثر، ولن يستفيد من النظام إلا تجار الأراضي فقط". ويتمحور مقترح النظام القانوني حول قانون ضريبة امتلاك وتجارة الأراضي في السعودية. وكتب الزامل: يتركز على نقطتين أساسيتين، وهما جعل عملية تقييم سعر الأرض تتم من قبل (مالك الأرض) وليس من قبل الحكومة أو طرف ثالث. وعدم تمكين مالك الأرض من رفع التقييم في المستقبل، ودفعه لضريبة سنوية قدرها 5 % بناء على السعر الذي حدده هو. ويمكن للمالك أن يخفض سعر الأرض إذا أراد تسريع بيع الأرض، ولا يمكنه رفعه مرة أخرى. مع ملاحظة أن الأرض (يجب) أن تكون معروضة للبيع في بورصة تجارة الأراضي بناء على السعر الذي حدده المالك. وتابع: لذلك فإن تقييم المالك للأرض بسعر مرتفع سيؤدي به إلى دفع ضريبة أعلى. وتقييمه لها بسعر منخفض سيجعله يقترب من السعر المقبول سوقياً، ما يسرع من بيع الأرض. كما أن تقييم الأرض من قبل المالك يقلل من تكلفة وصعوبة تنفيذ القانون، كما يقلل من البيروقراطية والزمن المطلوب لتنفيذه. كما يصعب القانون من إمكانية التحايل عليه، عبر التقييم المنخفض لتقليل الضريبة المدفوعة أو عبر تغيير السعر تدريجياً لتجنب دفع ضريبة مرتفعة في البداية. وفيما يلي نص الحوار:
- أشرت في مقالك "مملكة المونوبولي" إلى مشكلة احتكار الأراضي، في رأيك متى بدأت هذه المشكلة في السعودية؟
بدأت في عام 1395 عندما تم تغيير القانون من قبل مجلس القضاء الأعلى، وسمح بمنح الأراضي بدون إحياء وفي الوقت نفسه تم منع تملك الأراضي بالإحياء.
السبب الثاني لتفشي هذه المشكلة هي الفتاوى التي تسهل على تجار الأراضي تجنب دفع الزكاة، حيث أفتى بعض العلماء بعدم وجوب الزكاة إذا لم تكن الأرض معروضة للبيع.. حتى لو كان التاجر يملك ملايين المترات من الأراضي البيضاء. هذه الفتوى تخالف فتوى المجمع الفقهي الإسلامي الذي ذكر أن الأرض يجب أن يزكى عليها إذا كانت عرفاً أكثر من حاجة الإنسان. وهذه هي الفتوى المنطقية التي تراعي مصالح الناس.
- ألمحت عدة مرات وفي مقالات صحفية إلى مشكلة عدم التوزيع العادل، هنا أنت تنقل مشكلة المساكن من مشكلة فنية اقتصادية إلى مشكلة تتعلق ببنية المجتمع وثقافته؟
لا أعتقد أن المشكلة تتعلق بالأصل أو الانتماء، ما كتبته في فقرة صغيرة في أحد المقالات كان أقرب للتصوير الكاريكاتوري لا أكثر.
- ما هي الخطورة الاقتصادية لتحول سوق الأراضي في السعودية إلى سوق مضاربة، حيث يشتريها بعضهم ليبيعها دون أن يبني عليها شيئاً بعد مدة وبربح؟
الآثار الاقتصادية لتحويل الأراضي لسلعة مضاربة واحتكار بدل أن تكون سلعة استخدام، كثيرة جداً. وقد لا تسعها الكتب. ولكن أهم الآثار السلبية هو الارتفاع الكبير جداً في تكلفة تملك المساكن، والارتفاع الكبير جداً في تكلفة استئجار المساكن والشقق. بالإضافة إلى التأثير المباشر أيضاً على قطاع الأعمال، حيث أصبح من الصعب الدخول في العمل الخاص الصغير والمتوسط بسبب الإيجارات المرتفعة التي تقلل من ربحية المشروع، وقد تؤدي لإفلاسه في فترة قصيرة. أما التأثير الخطير الذي لا يعرفه الكثيرون، فهو أن ارتفاع أسعار الأراضي أصبح عائقاً رئيسياً في المشاريع التنموية الحكومية، حيث تشتكي غالبية القطاعات الحكومية من نقص الأراضي وغلائها، فوزارة التعليم تشتكي من عدم وجود أراض لبناء مدارس، ووزارة الصحة تشتكي من عدم قدرتها على بناء مراكز صحية لارتفاع أسعار الأراضي، أما أطرف المتضررين فهم أحد مراكز كتابة العدل الذين اشتكوا من عدم توفر أراض لبناء مركز جديد بدلاً من مركزهم المستأجر.
- معنى ذلك أن مشكلة الإسكان في السعودية تبدأ من اختزان الأراضي البيضاء؟
ارتفاع أسعار الأراضي يمثل المشكلة الرئيسية التي تعيق امتلاك المساكن للمواطنين. وسبب هذا الارتفاع هو احتكار التجار .
- مطالبتك بإجبار أصحاب الأراضي البيضاء ببيعها أو استثمارها وبنائها، تبدو غير مشروعة، كونك تجبر التاجر على التخلص من بضاعته رغماً عنه، كما أنه لا يوجد قانون يدعو إلى هذا الأمر؟
لا أتوقع أن تصحو ضمائر تجار العقار ويتخلوا عن تجارة لا يوجد فيها أي مجهود وتدر عليهم أرباحاً طائلة. هذا شيء مستحيل. ما نطالب به أن تسن الدولة أنظمة تجعل احتكار الأراضي غير ممكن. وأهم نظام بهذا الخصوص هو فرض رسوم على كل من يمتلك أراضي أكثر من حاجته ويتركها من دون استثمار.
- ما هو أثر احتكار الأراضي البيضاء على المواطن البسيط الراغب ببناء مسكن له؟ بكل بساطة، في أغلب دول العالم قيمة الأرض لا تزيد عن 15 % من التكلفة الإجمالية لامتلاك المسكن، أما هنا فقد وصلت هذه النسبة لأكثر من 50 %.
- طرحت عدة حلول لمشكلة احتكار الأراضي، أبرزها الضريبة والزكاة، ألا تعتقد أن هذا سيقود إلى ارتفاع أكثر في قيمة الأرض، كون صاحب الأرض سيحمل التكلفة على المشتري؟
لا. إطلاقاً. إذا طبق القانون بشكل صحيح، وأجبر ملاك الأراضي على دفع الرسوم أو الزكاة سنويا (ونقداً)، فكثير منهم لن يتحمل هذه التكلفة وسيبدأ ببيع الأراضي. وبمجرد انطلاق هذه الموجة من البيع ستعود الأراضي لأسعارها المنطقية اقتصادياً.
- كتبت مشروع قانون مقترح لمنع الاحتكار، لكنك جردت من خلاله، التاجر من حق المتاجرة في الأراضي بشكل نهائي.. مقترحك سيلغي سوق الأراضي العقارية بشكل نهائي، ألم تستشعر استحالة ذلك وأنت تكتب؟
من ناحية الاستحالة فهو بالتأكيد غير مستحيل، لأن كثيراً من دول العالم تطبقه. رغم هذا، حتى لو طبق القانون جزئياً، أي فرضت رسوم سنوية ونفذت بشكل صحيح فهذا كاف لحل الجانب الأكبر من المشكلة.
- أشرت إلى السعر العادل للأراضي، ويبدو أنك تتحدث عما سيؤول إليه سعر الأرض بعد قانونك المقترح، وهو 135 ريالاً للمتر.. اقتصادياً ألا يمكن أن ينتقل الغلاء الفاحش إلى مواد البناء بعد أن يشتري المواطنون الأراضي بقصد السكن، ثم يفاجؤوا بأنهم لا يستطيعون بناءها؟
قد يحدث هذا في أول سنة أو سنتين، ولكن ارتفاع هوامش الربح في مواد البناء سيدفع المستثمرين لاستيراد المزيد منها أو بناء مصانع تغطي الطلب المتزايد. في السوق المفتوح يمكن تصحيح الاختلالات بشكل سريع.
- بعضهم يتحدث عن أن نظام الرهن العقاري هو الحل السحري الذي سيمكن المواطن من اقتراض مبلغ لشراء مسكن، كيف ترى فرص نجاح نظام الرهن العقاري؟
الرهن العقاري سيكون كارثة على المواطن لو تم تطبيقه قبل حل مشكلة احتكار الأراضي. حيث ستزداد أسعار الأراضي أكثر، ولن يستفيد من النظام إلا تجار الأراضي فقط.
أما بعد حل مشكلة الأراضي، فالرهن سيسهل كثيراً من إمكانية امتلاك المساكن، ويمكنك نظرياً امتلاك منزل عالي المستوى بقسط لا يزيد عن 2500 ريال شهرياً. ويمكن أن تبدأ قيمة تملك المسكن من 1200 ريال شهرياً للمنزل منخفض الجودة.
- البنوك تقدم الحلول التمويلية للعقار بفوائد عالية جداً، على الأقل في الوقت الحالي هل ترى من حل اقتصادي يتمكن من خلاله المواطن البسيط من امتلاك وحدة سكنية؟
ذكر المحامي عبد العزيز القاسم في إحدى حلقات برنامج "واجه الصحافة"، أن أقل تكلفة لامتلاك منزل في الوقت الحالي هي 700 ألف ريال. وحتى تمتلك هذا المنزل يجب أن يكون راتبك لا يقل عن 17 ألف ريال. وأضاف أن نسبة من يزيد دخلهم عن 17 ألف ريال في السعودية لا تتجاوز 10 %. إذن، جواباً على سؤالك إذا كان راتبك أقل من 17 ألف ريال شهرياً فلا تحلم بامتلاك بيت العمر.