لم يشهد التاريخ العربي أي محاكمة للرؤساء تحت ضغوط شعبية سوى محاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين والثانية التي ستجرى اليوم للرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وهي محاكمات ذات دلالة على أن الحصانة القانونية والسياسية لا تشمل أي سياسي أو زعيم خالف إرادة أمته وتحول إلى ديكتاتور يحكم بالحديد والنار. الملفت أن محاكمة صدام وحسني مبارك لا تمثل الأسماء فيها سوى الرمزية، والهدف هو محاكمة عهد كامل يمتد إلى عقود مثل حالة صدام ومبارك تم فيها بناء أجيال عدة وتم فيها تغيير جذري في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للعراق ومصر وشهدت المراحل تحالفات إقليمية سياسية وحروبا ونهوض طبقة اجتماعية مستفيدة سيطرت على مقاليد بلدانها في التجارة والمال والمناصب وازدياد الطبقة الفقيرة وتردي التعليم والبنية الأساسية من طرق ومواصلات وموارد زراعية وخدمات صحية وبلدية نتيجة ترهل الحكم وزيادة رقعة الفساد والمحسوبية. إن محاكمة اليوم بالتأكيد هي محاكمة لعهد كامل استمر ثلاثين عاما تجمدت فيها الحياة السياسية المصرية حتى انفجرت الثورة الشعبية نتيجة استئثار السلطة بالخارطة السياسية والقرارات لذلك من الطبيعي أن تصبح المحاكمة حدثا عند الشعب المصري يتشوق إلى رؤيته. أمس صدام حسين واليوم حسني مبارك وبالتأكيد الغد سيكون مثقلا بمحاكمات أخرى لزعماء تحدوا إرادة شعوبهم وأوغلوا في دمائهم ولم يسعوا إلى التصالح مع أحلامهم. هل نحن على مشارف عصر عربي جديد؟ ربما نحتاج إلى وقت للإجابة لكن المؤكد أن العالم العربي لن يعود كما هو سابقا فالوعي بضرورة الحريات والمشاركة السياسية والعدالة والحقوق هي عنوان مرحلة جديدة لا يستطيع أي صاحب قرار سياسي أن يتجاهلها وهذا ما يعني أن عهدا سابقا في العالم العربي قد انتهى وما علينا سوى أن نتأقلم مع التحولات الجديدة بما يحفظ حصانة الأمة العربية ورفعتها وكرامة شعوبها. محاكمة اليوم شاهد على عصر في حياة الشعب المصري ومن حق أي شعب أن يتطلع للمستقبل بروح أكثر توهجا وأن يؤسس لحياة أكثر كرامة واستقلالية.