مصر عاشت أمس يوما استثنائيا في تاريخها الحديث فلأول مرة تتم محاكمة الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك أمام القضاء المصري بتهم جنائية تتمثل في قتل المتظاهرين وتهم باستغلال النفوذ والفساد المالي. نقل المحاكمة على الهواء مباشرة عبر شاشات الفضائيات المصرية يدل على أن القائمين على المحاكمة المتمثلة في وزارة العدل والمجلس العسكري أرادوا من عرضها على الرأي العام المصري أن يطمئنوا الرأي العام إلى مصير ثورتهم وأن يخففوا من حالة الاحتقان الشعبي والاتهامات التي تساق ضدهم بالانحياز إلى جانب السلطة السابقة ومحاولة المماطلة في تحقيق الديمقراطية. الشعب المصري وهو يطالع محاكمة رئيسه السابق يحصل بالتأكيد على إنجاز تاريخي غير مسبوق فلأول مرة تتم محاكمة رئيس عربي بعد صدام حسين دون تدخل جهات خارجية كما حدث مع صدام حسين حين رتبت أمريكا لمحاكماته. التضحيات التي قدمها الشعب المصري تستحق من أي مراقب ومتابع الإشادة بها خصوصا أنها فتحت الباب لتغييرات كبيرة في الحياة السياسية المصرية لتسود حياة ديمقراطية وعدالة سياسية. التهم التي وجهها الادعاء العام للرئيس المصري المخلوع تجيء في سياق فترة حكم دامت ثلاثين عاما شهدت فيها مصر أحداثا كبيرة وهذه المحاكمة لا يمكن فصل القانوني فيها عن السياسي بل يمكن القول إن السياسة هي الهدف الأساس من المحاكمة والغرض منها إدانة عهد كامل تمثل في حياة سياسية ضعيفة تتحكم فيه السلطة بالبرلمان والسلطة التنفيذية وما شهده هذا العهد من فساد يكاد يكون بائنا للجميع حيث استأثرت طبقة من المستفيدين بمقاليد السلطة والثروة والنفوذ وخيرات مصر. سوف تطول المحاكمة في جلساتها وتفقد بريقها مع مرور الأيام حين تتحول الجلسات إلى دفوعات قانونية تسقط منها العناوين السياسية البراقة المثيرة. محاكمة الرئيس حسني مبارك هي مصالحة من قبل المجلس العسكري للشعب المصري بعد أن ازدادت الشكوك في نيات المجلس وأحدثت شروخا في جدار الثقة بين الشعب والجيش المصري. الأهم في المحاكمة هو شعور كل مسؤول أن العدالة لا تقف عند حدود وتطال الجميع وأن الضمير والعدالة حصانة أي مسؤول وسياسي في مواجهة الغضب الشعبي. نأمل أن يعبر الشعب المصري إلى المستقبل دون أن يحد الماضي من انطلاقته أو يعيقه عن التقدم.