التبذير واحدة من الكلمات الشهيرة التي نتداولها قبل وأثناء شهر رمضان المبارك، وهي واحدة من أكثر الكلمات هلامية في ضمائرنا، فليس لها شكل ولا حد واضح. قد يكون التبذير في شكل من أشكاله محذورا يصل إلى الحرمة ،بقول الله تعالى « إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين و كان الشيطان لربه كفورا « ، فنحن نتحدث ونحذر ونتواصى بعدم التبذير على الرغم من عدم انعكاس هذه المخاوف والتحذيرات على سلوكنا وعاداتنا، والسبب في ذلك، أننا وحسب ما نتوهم أن تحاشي التبذير والإسراف قد يزحزحنا عن بقاع الكرم إلى أدنى وأخس البقاع وهي بقاع البخل، فطالما ونحن صغار وشباب وشيبة ونحن في أحسن حالاتنا المادية وأسوأها قد دفعنا بكل قوتنا كي لا ننتمي إلى تلك البقاع، ولا لوم إن تمرغنا في تراب بقاع الكرم والجود. ولكونه ذا شكل غير محدد، فإن للتبذير ذاك الوجه الأبيض المتألق المعشوق عندما نعتبره عنواناً أو باباً لطبقة نسعى لأن ننتمي لها، ففي شؤون الطبقات الاجتماعية ولأجل الانتماء لطبقة محددة قد ندفع بأقصى (وأكثر) قوتنا و أموالنا، حتى يصل بنا الأمر إلى الاقتراض والاستدانة، فالانتماء لشلة (فلان) والعيش بمستوى (علان) هدف يحلل أي وسيلة كانت. تقع على عاتقنا هذه الأيام مسؤولية عالية جداً، أعلى من المسؤولية الاجتماعية، والوطنية، إنها المسؤولية الإنسانية، إلى الجنس الذي ننتمي إليه. ولا أخفيكم مشاعر (أخجل من تسميتها) التي أنظر بها إلى نفسي وأنا أكتب هذه السطور، إذ أتكلم عن التبذير وشكله الهلامي، أتكلم عن التبذير وعلاقته بالكرم والبخل و بالطبقات الاجتماعية، أتكلم، وأتكلم، وأمامي الآن على شاشة التلفزيون صور ملؤها استصراخ ونداء، مشاهد تنز وتفور هلاكاً وموتاً، و أصوات تحمل أرق كلمات الاسترحام والاستعطاف، العالم يصرخ ويهتز لمجاعة الصومال، نساء وأطفال وشيوخ يخيم عليهم شبح الموت، قرى ومدن يحاصرها الهلاك...وأنا أحاول أن استجمع أفكارا بعيدة كل البعد عما أراه وأسمعه...أي كريم أنا؟! ولأي طبقة أنتمي؟! تقع على عاتقنا هذه الأيام مسؤولية عالية جداً، أعلى من المسؤولية الاجتماعية، والوطنية، إنها المسؤولية الإنسانية، إلى الجنس الذي ننتمي إليه، عندها يجب ألا نسأل عن من سنساعد؟ وما هم؟ وما دينهم؟ وما لونهم؟ إذا كنا حقاً بشراً نحمل بين ضلوعنا قلوبا تخفق كل حين. الضجيج الناجم عن تذمر المستهلك، وتضجر التاجر، وتململ المسؤول...على هذا الضجيج ونحن على مشارف رمضان أن يهدأ وينطوي في زاوية إلى حين، وبدلاً منه، علينا إعلاء صوت الرحمة والشفقة وإعلاء صوت الإنسانية . خبير تقنية ومستشار باتحاد الغرف التجارية