بدأ حوار التوافق الوطني في البحرين بداية جيدة، وأمل البحرينيون والخليجيون والعرب المحبون للبحرين أن تحضر التنوعات البحرينية إلى طاولة الحوار بعقول مفتوحة ونوايا حسنة من أجل رسم مستقبل زاهر للبحرين يقوم على التوافق والمحبة والسلام والاحترام والتعاون بالروح الوطنية التي يمتاز بها البحرينيون ويشتهرون بها على اختلاف تنوعهم ومشاربهم السياسية والمذهبية. ولكن يبدو أن بعض الأحزاب التي ترتبط بأيديولوجيات وروابط تتعدى الخريطة البحرينية قد وجدت أن الحوار سوف يلزمها بواجبات وولاء وطني، فاختلقت المبررات للانسحاب من الحوار بحجج واهية. بينما كان يمكنها طرح أية أفكار للتداول، وتحظى إما بالتوافق على الأفكار أو رفضها، بنهج يحقق عدالة للجميع في عرض الآراء والأفكار وعليهم أن يتحملوا أدبيات الحوار ونهجه. لكن الملاحظ أن مجموعات، وأحزابا بعينها، سواء في البحرين أو العراق أو لبنان أو اليمن ترتبط بنهج ولاء لقوى أجنبية، تقبل الحوار مبدئياً كي لا تتعرض لإدانة شعبية، وربما تدخل في حوارات ومناقشات ولكنها ما تلبث أن تتنصل من الحوار وتنسحب منه وتعارضه حينما تكتشف أن الاتجاه السائد للآراء لا يخدم أهدافها الحقيقية ولا يحقق مصالح القوى التي ترتبط بها. ثم تلجأ إلى المزايدات في الشارع بشعارات وطنية وحقوقية. وما حدث في البحرين يبدو مثلاً جلياً على هذا السلوك الحزبي الملتوي الذي يرفض أي حوار أو سلام، ويقدم ولاءاته الحزبية والأيديولوجية على الولاء الوطني، ويتمسك برؤية أحادية وينكر حق الآخرين في إبداء الرأي أو الدفاع عن حقوقهم. ويطرح نفسه مالكاً للحقيقة النهائية وحق الحياة والتشريع وحق تمثيل الوطن. ويقصي الآخر. والذي يحجم عن الاشتراك في حوار التوافق في البحرين يدين نفسه بنفسه، ويهرب من الحقيقة، ومن الالتزامات الوطنية التي يتغنى بها ويكثر من الضجيج حولها في الإعلام، لأن طاولة الحوار في البحرين تتسع للجميع، ولا تضع قيوداً على أية أفكار أو حوار. ورسمت معياراً لقوة الرأي وقبوله وهو الرأي الذي يحقق مصالح وطنية ويرسم مستقبلاً وحدوياً يصون سيادة البحرين ويعبد الطريق لطموح العبقرية الفكرية البحرينية المجربة المنتجة المثمرة، إلى العناق مع الغد. وهذه هي السلوكية الحزبية التي عادة تتهرب من الانخراط في حوارات وطنية جدية ومن منتديات النقاش لأن الحوار المتعدد المتنوع يتسلح بالوحدة الوطنية وبالمشروع السيادي للبلاد ويأخذ الهوية الوطنية ويمثل ميدان اختبار للأحزاب، إذ يجردها من ولاءاتها الخارجية ومن شعاراتها الأيديولوجية الطنانة، ويجعلها في مواجهة مصيرية مع الوطن ووحدة المجتمع والسيادة الوطنية.