لاشك أن الأحداث المؤسفة التي شهدتها مملكة البحرين عام 2011م قد أكسبها منعة وقوة جعلها قادرة على استيعاب الدرس والتعلم من خبراتها. وأشارت وكالة الأنباء البحرينية في تقرير بثته امس إلى أن المواطنين البحرينيين والحكومة يدركون تماماً أن التطور من خلال حكومة المشاركة الشعبية يجب أن يستمر على أساس الحوار النزيه والحقائق الصحيحة الدقيقة. ويعد القيام بتشجيع التوسع في التمثيل الشعبي في الحكومة امرا حيويا للمجتمع وفي أغلب الأوقات فإنه توجد هناك مهام متزامنة من المفترض التوافق عليها إلا أن أحداث أوائل عام 2011م أثبتت إمكانية التباين، مما يجعل المطلوب الآن هو اعادة بناء هذه المهام ووضعها على الطريق نفسه بحيث يتواصل التوسع في التمثيل الشعبي في الحكومة مع توخي الحكمة بينما يتم المضي في خطى المشاركة بشكل حثيث. لجنة «تقصي الحقائق» قرار تاريخي أشاد فيه المجتمع الدولي.. ووسائل إعلام خارجية حاولت بث «الفتنة الطائفية» وتعد دولة البحرين من ضمن الأمم التقدمية في منطقة الخليج العربي وتتميز بتاريخ طويل من الاصلاحات والمسيرة التقدمية المستمرة. وتسارعت وتيرة المسيرة التقدمية الطموحة نحو الملكية الدستورية والمزيد من الحريات الديموقراطية منذ عام 1999 بقيادة ملك مملكة البحرين حمد بن عيسى آل خليفة. فمنذ أن تولى مقاليد الحكم في المملكة جرت ثلاث انتخابات في الأعوام 2002، 2006 و 2010م شاركت فيها المعارضة طواعية واختياراً واكتسبت المزيد من الصلاحيات الديمقراطية. كما أن مملكة البحرين من أكثر الدول تطوراً على مستوى العالم، فقد تربعت في المرتبة التاسعة والثلاثين على رأس قائمة الدول متقدمة بذلك على بعض الدول كالبرتغال وتقف خلف المملكة المتحدة بعد ثلاثة عشر مرتبة فقط وذلك حسب الاممالمتحدة. وقد تلقى الاقتصاد البحريني ضربة قوية بسبب الأزمة المصرفية العالمية كغيرها من دول العالم الأخرى. رئيس الوزراء بمملكة البحرين الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة وفي مقابل هذا التراجع وتأثرا بالاحداث التي عصفت بكل من تونس ومصر فإن المظاهرات التي جرت في البحرين في 14 فبراير 2011 فيما أطلق عليه بيوم الغضب في جميع أنحاء البلاد قد دعت إليها جماعة شباب البحرين المطالبة بالحرية التي تلقت الدعم والمساندة من جمعية الوفاق الإسلامية. وقد تركزت معظم المطالبات على الاصلاحات الاقتصادية وكان من الظاهر أنها لم تكن تتضمن أية دعوات بإسقاط الحكومة. والغالبية العظمى من الاحتجاجات في ذلك الوقت كانت سلمية. الا أن بعضها لم يكن كذلك وبدأ يأخذ منحى غير سلمي في أحيان كثيرة فتحول إلى مواجهات أسفرت عن سقوط قتيل في يوم 14 فبراير 2011. وفي يوم 15 فبراير 2011م، قام المتظاهرون باحتلال دوار مجلس التعاون أو ما أصبح يعرف باسم دوار اللؤلؤ حيث قام المحتجون بنصب الخيام وتمكنوا من السيطرة على الدوار بالكامل والاحتفاظ به لعدد من الأيام. كما إن أعداد المحتجين قد تزايدت وبالرغم من إن الحركة الاحتجاجية كانت سلمية باديء ذي بدء إلا إنها سرعان ما تحولت إلى حركة متعصبة ومتشددة ذات طابع غير سلمي ورفعت شعارات تطالب بإسقاط النظام. وفي ذلك المنعطف، قام الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين بتقديم تعازيه مباشرة من خلال شاشة تلفزيون البحرين لأهالي الضحية وللشعب البحريني وأمر بتكوين لجنة خاصة للبدء فوراً في التحقيق في تلك الأحداث المؤسفة. كما قام معالي وزير الداخلية بتقديم اعتذار رسمي ووعد بالنظر في عمليات قوات الأمن. وخوفاً من تصاعد العنف الطائفي والتوترات التي تهدد حياة الناس، تم اتخاذ قرار بإخلاء الدوار بتاريخ 17 فبراير 2011م. وتمت إزالة الخيام وتم تأمين المنطقة وللأسف سقط خلال عملية إخلاء الدوار أربعة قتلى من بين المحتجين. وفي أعقاب ذلك تم إجراء اصلاحات فورية شملت استبدال بعض الوزراء. وفي أمسية 18 فبراير 2011م، قام صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى بتهدئة المواطنين ودعا للحوار للتوصل لحل لجميع الخلافات بين المحتجين والحكومة ووضع برنامج للمصالحة الوطنية والاصلاح. وقد تقدم المحتجون بالعديد من الشروط المسبقة قبل البدء في أي حوار التي قام ولي العهد بتلبيتها ومن بينها سحب قوات الأمن والسماح للمحتجين بالعودة لدوار مجلس التعاون مرة ثانية. وصدرت الأوامر الرسمية لقوات الأمن بعدم التعرض للمحتجين لتفادي إراقة الدماء وبدأ التحقيق في الأحداث. كما تم توجيه الدعوى للبدء في مفاوضات رفيعة المستوى مع الجماعات المعارضة. ولكن مع مضي بعض الوقت قامت المعارضة ممثلة في جمعية الوفاق الاسلامية بوضع شروط مسبقة قبل الدخول في أية مفاوضات مع الحكومة وبالرغم من ذلك التعنت من جانب المعارض إلا إن سمو ولي العهد وافق على المبادئ الاساسية السبعة التي طرحتها المعارضة. وتلك المبادئ، حسبما قاله السفير البريطاني السابق في البحرين روبين لامب (كانت تلبية للكثير من مطالب الجماعات المعارضة التي رفعتها بما في ذلك الحصول على تمثيل شعبي في البرلمان وإجراء اصلاحات في الدوائر الانتخابية). وفي تلك الأثناء، واصل المحتجون تصعيد احتجاجاتهم والانتشار وقام ممثل جمعية المدرسين البحرينية بإعلان أن اليوم التالي سيكون يوماً للاحتجاج الوطني وطالب المدرسين بمقاطعة الدروس وطالب من أولياء الأمور إبقاء أبنائهم الطلاب في المنازل (وبالفعل خرج أكثر من 6،500 مدرساً ومدرسة من مدارسهم تاركين وظائفهم)، بينما تم إبعاد الطلاب بالقوة من الصفوف الدراسية. وبتاريخ 21 فبراير 2011 جاءت مبادرة أخرى للاصلاح تم تنظيمها وجذبت أكبر عدد من المواطنين الذين تجمعوا في تاريخ المظاهرات وأصبحت تلك التظاهرات تعرف باسم تجمع الوحدة الوطنية فيما بعد والذين تجمعوا في مجمع مسجد الفاتح والذين كانت أعدادهم في مسجد الفاتح قد تفوقت على عدد المحتجين في دوار مجلس التعاون. وطالب تجمع الوحدة الوطنية في مسجد الفاتح كذلك بإدخالهم ضمن أي حوار بين الحكومة والشعب وأبدوا رغبتهم في العمل سوياً مع المعارضة لتعزيز الاصلاحات بشكل سلمي تحت ظل النظام الملكي الحالي، ولكن دعواتهم لم تلقى آذاناً صاغية من المتظاهرين في دوار مجلس التعاون وممثلي الأحزاب السياسية. وبينما كانت المفاوضات جارية بدأت التوترات في التصعيد بسبب قيام بعض المجموعات المتطرفة بتأجيج نيران الطائفية. وتقدم 18 عضواً في البرلمان هم من كتلة الوفاق الاسلامية المعارضة باستقالاتهم وخرجوا من قبة البرلمان خروجاً جماعياً بتاريخ 27 فبراير 2011م. وفي الوقت جاء سيل من المعلومات المغلوطة لتضليل الرأي العام من وسائل إعلام رئيسية في كل من إيران ولبنان. ووفقاً للدكتور عمر الشهابي مدير جامعة الخليج في الكويت، في حديثه مع تجمع (غثام هاوس) فإنه تم التواطؤ بين وسائل الإعلام بحيث تقوم إيران ببث المعلومات من خلال قناة العالم الإيرانية ويقوم حزب الله ببثها من خلال قناة المنار وقد تم بالتأكيد استغلال القناتين المشار إليهما لتلك الأغراض، وهذا أمر واضح جداً، وشكل هذا التواطؤ استراتيجية واسعة النطاق بين كل من إيران وحزب الله لغرض دعم ومساندة المحتجين وإشعال فتيل التوترات كما تم تصوير المتظاهرين في البحرين وهم يلوحون بأعلام حزب الله. وقال الدكتور الشهابي إن الظروف على أرض الواقع تشير إلى أن إيران لديها مصالح و ستقوم بمحاولة أخرى من أجل استغلالها بأي شكل من الأشكال. وبتاريخ 8 مارس 2011م، قامت جماعات الوفاء وحق ومجموعة حركة الحرية التي تتخذ من لندن مقراً لها بتشكيل تحالف من أجل الجمهورية في البحرين ودعوا لإسقاط النظام الملكي وتأسيس جمهورية ديمقراطية. وهذه الدعوات، بالرغم من أصواتها المضخمة إلا أنها لم تجد استجابة في أوساط الجماهير وحتى من جانب المتظاهرين الذين لم يكونوا يمثلون سوى عدداً ضئيلاً فقط من بين سكان البحرين. بعد ذلك قام سمو ولي العهد باطلاق مبادرة أخرى لحمل المعارضة والحكومة للجلوس سوياً على طاولة المفاوضات من خلال توجه الدعوى مباشرة على شاشات التلفزة من أجل البدء في حوار فوري بين المعارضة والحكومة. وقد أعرب المجتمع الدولي عن مساندته التامة لتلك المبادرة ودعا للدخول في حوار فوري، ولكن في ظل تصاعد التوترات والانقسام الطائفي قامت جمعية الوفاق الاسلامية برفض دعوات سمو ولي العهد ويقال أن الجمعية قد ندمت وأعربت عن أسفها فيما بعد على تفويت فرصة الجلوس على طاولة الحوار والاستجابة لمبادرة سمو ولي العهد بسبب تعنت بعض أعضائها المتشددين. وكما هو الواجب المناط بكل دولة المتمثل في القيام بحماية مواطنيها جميعاً وتوفير البيئة الآمنة لهم، فإن حكومة مملكة البحرين قد قامت بإجراء مناسب ألا وهو استدعائها للمساعدة من الأشقاء في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي ووفقاً لما قاله السفير البريطاني السابق في البحرين روبين لامب فإن الوضع بلغ حداً، بحيث أستطيع القول ان الوضع أصبح يفرض مشروعية إعادة الأمن والنظام للبلاد من قبل الحكومة. ورحبت البحرين قيادة وحكومة وشعباً بدخول قوات مجلس التعاون لدول الخليج العربية بناءً على دعوة من قبل الحكومة البحرينية لحماية بعض المنشئات الحيوية في البحرين بينما قامت قوات الأمن البحرين بواجب إستعادة النظام. وكانت قوات مجلس التعاون بقيادة سعودية حيث قامت بتأمين المنشئات الاستراتيجية في البلاد ولم يحدث أن دخلت في أية مواجهات مع المواطنين البحرينيين. وقد سعت قوات الأمن البحرينية باستعادة الأمن والنظام ولكن للاسف الشديد واكب ذلك الجهد سقوط بعض الضحايا. وبتاريخ 16 مارس 2011، تم إخلاء دوار مجلس التعاون للمرة الثانية مع عدم سقوط أي ضحايا وقامت قوات الأمن باعتقال مئات من المحتجين في محاولة لإعادة النظام والأمن. ولا شك في أن شبح العنف الطائفي لا يزال يلوح في الأفق. ومن أجل تهدئة نيران الفتنة الطائفية واستعادة الأمن و النظام، قام ملك مملكة البحرين بمجموعة من الإجراءات للمساعدة في المصالحة الوطنية في البحرين والتعافي من الأحداث المأساوية. وأمر برفع حالة السلامة الوطنية وإعلان بداية جلسات حوار التوافق الوطني الذي رحبت فيه حكومات العالم قاطبة والهدف من حوار التوافق الوطني بناء التوافق بشأن الاصلاحات وقد شارك نحو 300 شخصية تقريباً في جلسات الحوار الوطني يمثلون كافة شرائح المجتمع البحريني. وفي شهر سبتمبر 2011م، تم إجراء الانتخابات التكميلية لملأ 18 مقعداً شاغراً في البرلمان في أعقاب الاستقالات التي تمت بتاريخ 27 فبراير 2011 من جانب 18 عضواً برلمانياً يمثلون جمعية الوفاق الاسلامية. وجاءت نتائج الانتخابات التكميلية لتكريس وتعزيز النظام السياسي في البحرين. حيث فازت ثلاث نساء، مما رفع عدد النساء اللائي تبوأن مقاعد برلمانية إلى 4 نساء ضمن أعضاء البرلمان البالغ مجموعهم 40 عضواً وعضوة في المجلس التشريعي. وذلك يؤكد على نهج البحرين الديمقراطي الريادي في المنطقة. وبعد أسبوع واحد من تنصيب البرلمان تم تاسيس كتلة البحرين وهي التحالف التشريعي الأول من نوعه الذي يجمع بين الطائفتين السنة والشيعي. وكانت تلك الخطوة التمهيدية لإنطلاق البرلمان بشكل جاد من أجل متابعة تنفيذ توصيات جلسات حوار التوافق الوطني باعتبارها المرتكز الأول لرفد حكومة التمثيل الشعبي في البحرين بالمزيد من القوى. وقام الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة تابحرين بمبادرة تاريخية غير مسبوقة بتكوين اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق للتحقيق في دعاوى الحق والشكاوى المرفوعة من قبل المتضررين من الأحداث التي جرت في البلاد خلال شهري فبراير ومارس 2011م. والهدف من المبادرة الملكية واضح ومحدد وهو الحصول على أوضح صورة غير منحازة بشأن الأحداث التي وقعت في البحرين وفتح الباب لأفكار بشأن كيفية الانتقال للأمام في مسيرة الاصلاحات المهمة وضمان مشاركة جميع البحرينيين في بناء مستقبل الوطن. وقد اشتملت اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في عضويتها على خمسة أعضاء من خيرة الحقوقيين العالميين ذوي السيرة الطيبة الطويلة في مجال حقوق الانسان. وترأس اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق الدكتور محمود شريف بسيوني وضمت اللجنة في عضويتها كلاً من القاضي فيليب كيرش، والدكتور السير نايجل سايمون رودلي، والدكتور ماهنوش ه. أرسانجاني، والدكتورة بدرية العوضي. وقامت اللجنة المستقلة بجمع الأدلة بمساعدة فريق من المحققين توفرت لديهم إمكانيات لا محدودة للوصول للمعلومات والمتهمين في ظل التعاون التام من جانب جميع الجهات الحكومية مما يسر للجنة المستقلة مهمة إصدار تقريرها النهائي بتاريخ 23 نوفمبر 2011. وقالت وكالة الأنباء البحرينية في ختام تقريرها " لقد بدأ أهل البحرين يرون أنفسهم من جديد كمجتمع واحد متماسك، وإنه من المفيد أن نستذكر الأحداث التي عصفت بالبلاد في شهري فبراير ومارس 2011م، ومن المحتم أن نعلم بأن البحرين في شهر فبراير - وما زالت حتى الآن - لديها ما تحتاجه من آليات ضرورية لمعالجة التظلمات أو النظر بشأن المقترحات المقدمة من جانب مواطنيها من أجل الاصلاح"، وأضافت "فنحن نعيش في مجتمع حميمي يعرف كل واحد منا الآخر، وفي معظم الأحيان يسعى كل واحد منا سعياً جاداً من أجل حماية نظامنا في ظل التسامح والاحترام المتبادل. وهذا هو أحد الأركان التي تميزنا عن الآخرين وتجعلنا متفائلين بقدرتنا على المضي قدماً سوياً. ومن منطلق العديد من الأفكار سنكون قادرين بإذن الله تعالى وتوفيقه على البناء على أساس ماضينا الجميل لخلق أهداف جديدة للمستقبل".