تصدر اسم منال الشريف الاخبار المحلية والإقليمية والدولية لسبب أصبح المجتمع السعودي يعرف به أكثر من أي شيء آخر. لقد صارت قيادة المرأة للسيارة لما يحيط بها من جدل هوية وطنية سعودية بامتياز، فنحن البلد الوحيد في العالم الذي لا تقود فيه المرأة السيارة. وهناك من ينظر بفخر الى هذا فهو دليل تميز وانفراد. مرت قيادة المرأة للسيارة بمراحل يمكن إيجازها بسرعة. في عام 1990 في صخب الغزو العراقي للكويت وبعد المظاهرة التي قام بها عدد من السيدات في الرياض صدرت في حينها فتوى لمفتى عام المملكة آنذاك الشيخ عبد العزيز بن باز بتحريم قيادة المرأة للسيارة. واستمر الوضع على ما هو عليه الى ان طرح عضو مجلس الشورى محمد بن عبد الله آل زلفة قبل ما يقارب عقدا من الزمان مشروع تصويت على السماح لقيادة المرأة للسيارة غير ان رئيس المجلس وباتصال هاتفي من كندا رفض اقتراحه ذاك. ومنذ ذاك الحين ونحن نسمع بين فترة وأخرى عن فتاة او سيدة قامت بقيادة السيارة في مسافة لا تتجاوز بضعة كيلومترات في هذه المدينة او تلك. وقد انتهى بعض تلك المحاولات بمآس حقيقية. واخيرا قامت منال الشريف الاسبوع الماضي وقادت سيارتها في مدينة الخبر وألقت بحجر في المياه الراكدة. وبالتأكيد فإن منال الشريف لن تكون الأخيرة في هذا المسلسل. لا يمكن تفسير مقاومة قيادة المرأة للسيارة الا في ظل الكبرياء والممانعة الثقافية التي يبديها بعض فئات المجتمع وان كانت أغلبية حيال قيادة المرأة للسيارة. غير انه بالإمكان القول واستشهادا بتاريخ الإسلام نفسه ان الحضارة الاسلامية نظرا لموقعها الفريد وسط ثقافات العالم قد أعطت وأخذت من كل ثقافة. اننا وسط العالم تاريخيا وجغرافيا وثقافيا وبالتالي فإننا احق من أي امة أخرى بالتعامل الوسط مع متطلبات التبادل الثقافي مع حضارات العالم التي تحيط بنا من كل جانب. ولو لم يتمتع المسلمون الاوائل بروح الوسطية هذه لما اصبح الإسلام الحضارة الوسط بين حضارات العالم. ولكي توضع الأمور في نصابها الصحيح وبعيدا عن ردات الفعل التي ترافق هذا الموضوع عند طرحه يجب اولا مناقشة الموضوع بكل موضوعية وتجرد وبفكر علمي وحضاري رصين. من ينادي بقيادة المرأة للسيارة حجته بسيطة الى درجة يقول صاحبها انها لا تحتاج الى إثبات حجة او دليل فالسيارة ليست بأكثر من دابة او راحلة تستقلها المرأة في التحرك من مكان الى آخر. كما ان منعها من القيادة يكلف خزينة الدولة المليارات سنويا من جراء استقدام السائق الأجنبي. بل ان هذا الفريق يحاجج من وجهة نظر شرعية بأن الخلوة بين السائق والمرأة امر نهت عنه الشريعة وهو أولى بالإتباع. يقول هذا الفريق ايضا ان المرأة تقود السيارة في ارامكو فما مبررات المنع؟. في المقابل وفي غياب دليل شرعي قاطع لا يمكن النقاش حوله يحاجج الفريق الآخر بأن قيادة المرأة للسيارة مدعاة للفتنة وإخراج للمرأة من بيتها وهو ما سيؤدي الى التفكك الاجتماعي وتحرير المرأة وكافة الأمور التي تساوي بينها وبين الرجل. وهناك حجج كثيرة يسوقها كل فريق لاثبات وجهة نظره، من الهدر الاقتصادي ورؤية جحافل السائقين أمام الأسواق كما يقول الفريق الاول، فيما يرد الفريق الآخر بعدم قدرة المراة على التصرف مع متطلبات القيادة او الحوادث او التعامل مع خدمات السيارات وغير ذلك من الأمور. لكل فريق حجته. فالفريق الأول محق تماما في رأيه. كما ان الفريق الآخر محق. وللفصل بين الفريقين يجب النظر الى الموضوع ضمن سياق حضاري ثقافي شامل. يعرف عن الحضارات الكبيرة انتقائيتها وممانعتها الشديدة لكل قادم جديد اليها. لقد صمت الصين آذانها قرابة ثلاثة آلاف عام أمام كل إغراءات الغرب لكي تنتقل الى عالم الحداثة وعندما عجزت عن ذلك تكالب عليها الغرب في أواخر القرن التاسع عشر مما اسفر في النهاية عبر مخاض استمر مائة عام عن ولادة صين جديدة كلية محافظة على كبريائها وآخذة في الوقت نفسه بأسباب الحضارة الغربية وكلنا يعلم ما هي الصين اليوم. والحال نفسه يقال عن الإسلام وحضارته. لا يمكن تفسير مقاومة قيادة المرأة للسيارة الا في ظل الكبرياء والممانعة الثقافية التي يبديها بعض فئات المجتمع وان كانت أغلبية حيال قيادة المرأة للسيارة. غير انه بالإمكان القول واستشهادا بتاريخ الإسلام نفسه ان الحضارة الاسلامية نظرا لموقعها الفريد وسط ثقافات العالم قد أعطت وأخذت من كل ثقافة. اننا وسط العالم تاريخيا وجغرافيا وثقافيا وبالتالي فإننا احق من أي امة أخرى بالتعامل الوسط مع متطلبات التبادل الثقافي مع حضارات العالم التي تحيط بنا من كل جانب. ولو لم يتمتع المسلمون الاوائل بروح الوسطية هذه لما اصبح الإسلام الحضارة الوسط بين حضارات العالم. غير ان قيادة المرأة للسيارة ليست الا مظهرا واحدا ازاء الممانعة الحضارية التي يبديها المجتمع حيال كثير من القضايا الملحة اليوم وهناك قائمة طويلة تنتظرنا لكي نقتحم عالم الحداثة الخاصة بنا وليست حداثة الغرب. نحن لا يجب ان نخاف على هويتنا وثقافتنا العربية الإسلامية فهي راسخة كالجبال، وان لم نكن قادرين على اتخاذ القرارات المصيرية بحكمة وروية وبشجاعة أيضا فلندع الأمور للأجيال القادمة المؤهلة تعليميا وفكريا وحضاريا لعلها تنجح حيث فشلنا. [email protected]