أوضح القاص فهد المصبّح أن جراحا لم تندمل بعد، كانت سببا حقيقيا في ولوجه عالم القصة والحكاية، بل كانت مكونا رئيسيا لتعلقه بالقصة منذ صغره. وأشار المصبح خلال حديثه عن تجربته القصصية في أمسية قصصية أقامها نادي المنطقة الشرقية الأدبي مساء الاثنين الماضي وأدارها الناقد عبدالله الملحم، إلى أن الجراح التي جعلت منه قاصا، هي فقده لأمه وهو طفل، ليدخل عالم اليتم باكرا، ويقف بين أقرانه فاقد الأم. ذكر انه منذ وعى وهو يشعر باختلاف عمن حوله وانطوائية بمزاج متكدر على الدوام جعلته يمتلئ قصا من نسج الخيال، مؤكدا على أن مشاهدته للأفلام المصرية في تلفزيون «الظهران» جعلته يحتبس في داخله حكايات كثيرة. وقال: كنت أرى أطفال الحي لديهم أمهات إلا أنا، فتكونت لدي معضلة بسبب هذا الأمر عوضتها لي جدتي التي وردت في أكثر قصصي خاصة في مجموعتي «رداء الذاكرة». وأضاف : «من هنا بدأت القصة معي، حيث كنت أنسج قصصا من خيالي بأن أمي موجودة حية رغم المعارك التي كنت أقاسيها في حياتي إبان طفولتي»، مشيرا إلى أن مقياس الانتصار في الطفولة أن من يبكي من المتخاصمين يكون هو المهزوم، ورغم أنه كان حينها صلبا في شجاراته الطفولية، إلا أن خصمه إذا شعر بتغلبه عليه، يلجأ إلى الهتاف بأن أمه ميتة فتخور قواه ويبكي بنشيج ليكون الخصم منتصرا في النهاية. وقال: «لذلك جعلت أمي في قصصي حية تنتصف لي من كل من يضايقني». وذكر أنه منذ وعى وهو يشعر باختلاف عمن حوله وانطوائية بمزاج متكدر على الدوام جعلته يمتلئ قصا من نسج الخيال، مؤكدا على أن مشاهدته للأفلام المصرية في تلفزيون «الظهران» جعلته يحتبس في داخله حكايات يريد أن ينفثها من صدره ليرتاح. وانتقل المصبح للحديث عن الجانب الفني في كتابة القصة، وقال إن القصة لا ينبغي أن تجيب عن كل الأسئلة، ويكفي أن تطرح لأن بعض الأفكار يعجز الكاتب عن تدوينها لأنها أكبر من إمكانياته مع أنه يرويها بدقة وإتقان. واستنكر على من يقول إن الأدب صنف إلى رجالي ونسائي وأطفالي. وكشف سر انتكاسة القصة، موضحا أن ذلك يعود إلى تعاملنا معها بشكل خاطئ في أمسياتنا حيث تسمع مثلا الشعر علما بأن النصوص تختلف، فهناك نص جماهيري يسمع، ونص يقرأ ونص يشترك فيه القاص والمتلقي، ونص يحكى ولا يكتب، وبهذا نكتب النص ونقرأه، وربما نشرحه فماذا يتبقى للمتلقي إذن. وعن تأثره بغيره من الكتاب أكد المصبح أنه تأثر في البداية بالمنفلوطي ثم محفوظ وانتهاء بتشيكوف. وألقى المصبح في نهاية الأمسية عددا من نصوصه القصصية، إضافة إلى نصين من وحي ذاكرته، ومن نص بعنوان « غبار الذاكرة» يقول المصبح : وأنا صغير كثيرا ما أسمع جدتي تقول : - إذا جاء المولود ذكرا استبشرت به السماوات والأرض . وقتها كنت لا أعي ما تقول، ولا يعنيني صراخ الأزواج في السطوح حول المواليد، وأسمع ما يتردد من أخبار المطلقات، وكل ما أعيه أنني ولدت ذكرا لم يستبشر بي أحد .. حتى عيديتي من خالي الموسر أضعتها بسبب لعبي المتواصل مع بنات الحي، ولم أحزن فكل ما أريده غير موجود في دكان بوخديجة الوحيد في الحارة رغم تجمع الأولاد عنده .. وبعد القراءة يختتم المصبح الامسية بتوقيعه على مجموعته القصصية الجديدة «جدران باردة»، الصادرة عن النادي الأدبي بالرياض.