كشف القاص السعودي فهد المصبّح، عن جراح لم تندمل بعد حتى اليوم كانت سببا حقيقا في ولوجه عالم القصة والحكاية، بل كانت هذه الجراح مكونا رئيسيا للقصة وتعلقه بها منذ الطفولة حيث يقول عن تجربته القصصية في أمسية دعي إليها في نادي المنطقة الشرقية الأدبي بأنها نبض في داخلي بكل هواجس الحكي مستطعما لذة الكشف ودهشة التعاطي. وعن تلك الجراح التي جعلت منه قاصا بارعا فقده لأمه وهو طفل ليدخل عالم اليتم باكرا ويقف بين أقرانه فاقد الأم؛ فهو يقول: كنت أرى أطفال الحي لديهم أمهات عداي فتكونت لدي معضلة بسبب هذا الأمر عوضتها لي جدتي التي وردت في أكثر قصصي خاصة في مجموعتي رداء الذاكرة؛ فقد كتبتها بتمكن عن الطفولة ورافقتني فيها جدتي. ويواصل المصبح سرد تجربته القصصية قائلا: من هنا بدأت القصة معي حيث كنت أنسج قصصا من خيالي بأن أمي موجودة حية برغم المعارك التي كنت أقاسيها في حياتي إبان طفولتي؛ حيث كان مقياس الانتصار في الطفولة بأن من يبكي من المتخاصمين يكون هو المهزوم وكنت حينها صلبا لا ألين ولا أبكي في شجاراتي الطفولية فقد كنت مولعا بمشاهدة المصارعة الحرة في تلفزيون أرامكو وتعلمت منها بعض الحركات التي أطبقها وتعينني على خصمي فإذا شعر بتغلبي عليه يلجأ إلى حيلة تجعلني منهزما ومنكسرا ويبكيني بأي وسيلة فيهتف على الأشهاد قائلا بأن أمي ميتة فتخور قواي وأبكي بنشيج يجعله ينتصر علّي، لذلك جعلت أمي في قصصي حية تنتصف لي من كل من يضايقني حتى ان بعض القصص لا أستطيع كتابتها مع أني أرويها لأصدقائي بكل دقة وتشويق. وأضاف، بأنه منذ وعى وهو يشعر باختلاف عمن حوله وانطوائية بمزاج متكدر على الدوام جعلته يمتلأ قصا من نسج الخيال قائلا بأن مشاهدته للأفلام المصرية في تلفزيون الظهران جعلته يحتبس في داخله حكايات يريد أن ينفثها من صدره ليرتاح. وقال بأن هذه المؤشرات والمؤثرات زادت من شغفي بالقصة لحد الهوس حيث الأحساء وقتها تزخر بالشعر والشعراء دون القصة وإذا أردت أن أسرد ويسمعني من حولي لم يكن أمامي إلا أطفال الحي فقد جمعتهم ذات يوم أمامي وجلست على دكة باب خشبي ورويت لهم قصة أخذتها من تلفزيون الظهران عن فيلم مصري للفنانة القديرة شادية وما إن فرغت من الحكاية حتى انفضوا من حولي وبقيت حزينا إن لم يعلق أحد على ما قلت ويقول فجأة تسّرب إلّي صوت جاءني من الخلف يشيد بما رويت وكانت امرأة تستمع إلى الحكاية من خلف الباب الخشبي الذي أستند عليه فأعجبتها الحكاية كثيرا وأثنت علّي بإطراء زاد شغفي بالقصة فطلبت مني أن أروى لها ولصديقاتها كل يوم قصة حيث كنت اسمع زفراتهم وبكاءهم تأثرا بالحكاية، فأخذت أنسج حكايات ساعدني فيها أرق شديد أصبت به في صغري، وقد وجدت من أرويها له وإن كنت أوليه ظهري. وأضاف بأن الشيء الذي كان يضايقه كثيرا عندما يتعرف على أحد الأدباء ويخوض معه تضاعيف القص يقفز فورا إلى الشعر ويقول أسمعنا من شعرك فيصمت منكسرا وفي جوانحه حكاية لم تدون فيكتب وعينه تبحث عن رجل قص أو حكاية في وسط يلهج بالشعر والشعراء. ثم انتقل في الحديث عن تجربته القصصية إلى الجانب الفني في كتابة القصة قائلا إن القصة لا يجب أن تجيب على كل الأسئلة ويكفي أن تطرح لأن بعض الأفكار يعجز الكاتب عن تدوينها لأنها أكبر من إمكانياته مع انه يرويها بدقة وإتقان. وعن تأثره بغيره من الكتاب يقول المصبح لقد تأثرت في البدء بالمنفلوطي ثم محفوظ وانتهاء بتشيكوف، وأشار أن الدخول في حالة الترميز والغرائبية والفلاش باك وأمور أخرى في القص تعني الهروب من شيء يخشاه الكاتب حيث يتناوب عليه اثنان داخلي وهو العجز وخارجي وهو الرقيب. وألمح بأنه قد تدرج في القصة من نص الوعي إلى نص اللاوعي ووصولا إلى النص المشترك الذي يمزج بين الاثنين، وأستنكر على من يقول إن الأدب صنف إلى رجالي ونسائي وأطفالي، وكشف عن سر انتكاسة القصة وذلك بسبب تعاملنا معها بشكل خاطئ في أمسياتنا؛ حيث تسمع كالشعر علما بان النصوص تختلف فهناك نص جماهيري يسمع ونص يقرأ ونص يشترك فيه القاص والمتلقي ونص يحكى ولا يكتب وبهذا نحارب القراءة بأن نكتب النص ونقرأه وربما نشرحه فماذا يتبقى للمتلقي إذا. وأختتم حديثه عن تجربته بقول أن الحياة قصة ولكل قصة بداية ونهاية وقصتي لا تريد أن تنتهي لأنها لم تبدأ بعد.