بدأت أمس الثلاثاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس لبناني جديد خلفًا للرئيس ميشال سليمان الذي تنتهي ولايته بعد شهرين، وسط توقعات سلبية حول إجراء الانتخابات في موعدها نظرًا الى الانقسام السياسي الحاد في البلاد، لا سيما حول النزاع في سوريا المجاورة، وتبدو «حظوظ الفراغ الرئاسي أكبر، فيما ستكون الانتخابات معركة كسر عظم بين سمير جعجع وميشيل عون، وقد يخلط ترشيح الرئيس الجميل، الأوراق قليلًا داخل قوى «14 آذار» لكنه لن يغير قواعد اللعبة، من جانبه يلخص وليد جنبلاط الذي يعتبر «بيضة القبان» موقفه بأنه لا يريد معركة كسر عظم كي لا يضطر للانحياز إلى هذا أو ذاك. انقسام سياسي وتنقسم القوى السياسية بين مؤيدين للنظام السوري ابرزهم حزب الله المشارك في المعارك الى جانب القوات السورية، ومتعاطفين مع المعارضة لا سيما «قوى 14 آذار»، وأبرز مكوناتها «تيار المستقبل» بزعامة الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري. وكتبت صحيفة «النهار» المقربة من «قوى 14 آذار» على صفحتها الاولى «بدأت المهلة الدستورية لمسار الاستحقاق الغامض»، متحدثة عن «الكثير من العوامل الداخلية والخارجية، والتي لا يتوقع معها أي تطورات جدية أساسية في شأن الاستحقاق قبل اقترابه من أسابيعه الأخيرة». وقالت صحيفة «السفير» القريبة من حلفاء دمشق: إنه «في ظل الانقسام السياسي العمودي»، ستكون الانتخابات الرئاسية «مفتوحة على شتى الاحتمالات والأسئلة». واعتبرت أن «حظوظ الفراغ الرئاسي أكبر بكثير من إجراء الانتخابات، خاصة ان الانقسام الداخلي لا ينتج رئيسًا، فضلًا عن أن الصورة الخارجية للاستحقاق الرئاسي لم تتبلور بعد». وغالبًا ما يكون اسم الرئيس الجديد نقطة تقاطع بين دول اقليمية وغربية ذات تأثير في لبنان ذي التركيبة السياسية والطائفية الهشة. وانتخب سليمان الذي كان قائدًا للجيش في 25 ايار/مايو 2008 بتوافق اقليمي ودولي. وأتى انتخابه في إطار «اتفاق الدوحة» الذي توصلت اليه القوى السياسية إثر معارك عنيفة في بيروت وبعض المناطق، بين حزب الله والقوى المناهضة له. أجرى العماد عون نصف انعطافة سياسية، فابتعد قليلًا عن حليفه «حزب الله» وفتح خطوط التواصل مع تيار «المستقبل»، وهو يحاول أن يوازن موقفه، بين استمرار تفاهم 2006 مع الحزب، وبين فتح صفحة جديدة مع خصم الأمس، الرئيس سعد الحريري لا مرشح رسميًا وحتى الآن، لا يوجد أي مرشح رسمي للمنصب الذي يشغله مسيحي ماروني. وينتخب الرئيس من خلال تصويت في مجلس النواب، وعليه أن ينال ثلثي اصوات أاعضائه البالغ عددهم 128 نائبًا. وينقسم البرلمان بالتوازي تقريبًا بين حزب الله وحلفائه، و«قوى 14 آذار»، إضافة الى كتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط المؤلفة من نحو سبعة نواب. وأعلن المرشحون الرئيسيون، بشكل مباشر أو غير مباشر، نياتهم بالترشح، وأبرزهم رئيس «حزب الكتائب» الرئيس أمين الجميل، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ورئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون. يذكر أن المرشح للانتخابات الرئاسية في لبنان لا يتقدم بطلب خطي أو شفهي إلى أي هيئة رسمية، ويكتفي بإعلان ذلك إعلاميًا، أو حتى لا يعلن قراره أبدًا ويمضي باتصالاته السياسية لتأمين وصوله إلى الموقع الأول، وهنا بيت القصيد في المعركة المقبلة التي بدأت في الكواليس منذ أشهر. نصف انعطافة وأجرى العماد عون بحسب «الجمهورية» اللبنانية نصف انعطافة سياسية، فابتعد قليلًا عن حليفه «حزب الله» وفتح خطوط التواصل مع تيار «المستقبل»، وهو يحاول أن يوازن موقفه، بين استمرار تفاهم 2006 مع الحزب، وبين فتح صفحة جديدة مع خصم الأمس، الرئيس سعد الحريري. ويترجم ذلك سياسيًا بموقف ثابت مؤيد ل«مقاومة حزب الله» ضد إسرائيل، ومعارضة جازمة لتدخل الحزب في سوريا، مؤيدًا بذلك موقف «14 آذار». وهو يأمل أن تتكرر تجربة الحكومة في الاستحقاق الرئاسي، إذ ساهم اتفاقه الضمني مع الحريري بولادة الحكومة بعد تعثر طويل، كما أنه وقف على الحياد، بعيدًا عن «حزب الله» في سجالات البيان الوزاري، التي أدت إلى إسقاط «الثلاثية» منه. قلق وغضب أما جعجع فينظر بعين قلقة إن لم تكن غاضبة، إلى ما يجري بين الخصم والحليف، وهو يأخذ على الأخير أنه تخلى عنه في اللحظة الحرجة، وعبر عن ذلك بمقاطعة الحكومة، والاحتفاظ بموقع المعارض الإيجابي. ورأى البعض في كلمة النائب ستريدا جعجع في جلسة الثقة البرلمانية، بداية انفتاح على «حزب الله» عدا أن حزب «القوات» كان على الدوام مهادنًا لرئيس مجلس النواب نبيه بري. فمشكلة جعجع الكبرى أنه يعلم سلفًا أنه لن يكون يومًا مقبولًا من فريق «8 آذار» أي «حزب الله» وحركة «أمل» و«التيار العوني» و«تيار المردة» ومعهم نواب «الحزب القومي» و«حزب البعث»، ويعلم بالتالي أنه من دون تحقيقه أي خرق في الثنائية الشيعية، فإن حظوظه الرئاسية تعتمد حصريًا على فريقه السياسي، أي قوى «14 آذار»، إذا أجمعت عليه كمرشح وحيد، وعلى بعض الخروقات المسيحية وغير المسيحية في صفوف المستقلين. أما عون فيعول كثيرًا على موقف الحريري لتغيير موقف «14 آذار» منه، باستثناء جعجع بالطبع، وهو يظن أن كل أصوات نواب «8 آذار» في جيبه، وهذا غير مؤكد على الإطلاق. ورغم كل المناورات، من هذا الجانب أو ذاك، يجمع المراقبون على أن المعركة الرئاسية إذا حصلت، أي إذا لم يجر التوافق مسبقًا على شخصية توافقية على غرار تجربة الرئيس ميشال سليمان، فستنحصر بين مرشحين قويين يمثلان كلًا من «8 و14 آذار»، وهما عون وجعجع. وسيصطف كل فريق خلف مرشحه بقوة، فإذا حصلت المواجهة ستكون متكافئة، لأن الفريقين قادران على تأمين أكثرية النصف+1 للفوز بالرئاسة، ولكن أيًّا منهما لا يملك القدرة على تأمين النصاب لجلسة الانتخاب أي 86 نائبًا. دور جنبلاط وهنا يبرز دور النائب وليد جنبلاط، بيضة القبان، وهو اليوم يلخص موقفه بأنه لا يريد معركة كسر عظم كي لا يضطر للانحياز إلى هذا أو ذاك. لذا يعمل جنبلاط منذ فترة على بلورة ترشيح شخصية توافقية من خارج «8 و14 آذار». ويبقى أن ترشيح الرئيس الجميل، قد يخلط الأوراق قليلًا داخل قوى «14 آذار»، لكنه لن يغير قواعد اللعبة. فالرجل من صلب هذا الفريق، وهو يراهن على أن حلفاءه سيتبنونه هو وليس جعجع؛ لأنه الأقدر على مواجهة مرشح «8 آذار»، وقد جاءت مشاركته في الحكومة الجديدة إلى جانب الحريري وحلفائه الآخرين، وإلى جانب الخصوم أيضًا، إشارة إلى حسن النوايا تجاه الجميع. التوازنات الدولية كل ما تقدم يتعلق بالتوازنات الداخلية، لكن السؤال الأهم هو عن دور التوازنات الإقليمية والدولية في الاستحقاق الرئاسي اللبناني. وإذا كان لسان حال الجميع، عربيًا وإقليميًا ودوليًا، هو الحفاظ على الاستقرار اللبناني، فإن أسهم التوافق والمرشح التوافقي تعلو على حساب كل الطموحات الرئاسية للمرشحين.