في الوقت الذي يزداد فيه التشاؤم يوما بعد يوم إزاء مستقبل محادثات السلام في الشرق الأوسط.. يلتقي الرئيس الأمريكي باراك أوباما الرئيس الفلسطيني محمود عباس في واشنطن غدا الاثنين في محاولة لكسر الجمود، حيث تنتهي الشهر القادم المهلة المحددة للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتسعى واشنطن لإقناعهما بتمديد أجل المباحثات داخل إطار عمل جديد، يصفه الفلسطينيون بأنه شكلي لا يقدم جديدا. فبعد محادثات مبدئية على مدى ثمانية أشهر، وبعد ما لا يقل عن عشر زيارات للمنطقة، تحدث وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بنبرة تشاؤم غير معتادة خلال جلسة بالكونجرس يوم 12 مارس آذار، مشيرا إلى أنه لم يتحقق تقدم يستحق الذكر حتى الآن. وقال كيري المتمرس في دبلوماسية الشرق الأوسط: إن "مستوى انعدام الثقة بنفس ضخامة أي مستوى سبق وأن ما رأيته.. إن كل جانب لا يرى أن الجانب الآخر جاد فعلا. وكل جانب لا يرى أن الآخر مستعد لاتخاذ بعض الخيارات الهامة التي ينبغي اتخاذها هنا". ومع هذا قال: إن تمديد أجل المحادثات ما زال أمرا ممكنا. والهدف من مشاركة أوباما المباشرة في الأمر هو إعطاء المزيد من قوة الدفع. وكان قد التقى برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الشهر. يلتقي أوباما وعباس غدا في البيت الأبيض في محاولة لكسر الجمود، حيث تنتهي الشهر القادم المهلة المحددة للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتسعى واشنطن لإقناعهما بتمديد أجل المباحثات داخل إطار عمل جديد يصفه الفلسطينيون بأنه شكلي لا يقدم جديدا ويجري الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي مفاوضات على نحو متقطع منذ أكثر من 20 عاما؛ بهدف معلن هو اقتسام الأراضي وقيام دولة فلسطينية مستقلة. وطيلة كل هذه الفترة ظلت القضايا الرئيسية العالقة كما هي.. وهي ترسيم الحدود والاتفاق على وضع القدس ومصير اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا عن ديارهم إبان إعلان العصابات الصهيونية قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948. وقال مسؤول أمريكي كبير: إن أوباما أبلغ نتنياهو انه سيسعى لاستخلاص "قرارات صعبة" من عباس، وانه سيعقد معه اجتماعات مغلقة كما فعل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ سعيا لتضييق هوة الخلافات والاقتراب من التوصل لاتفاق إطاري. وأضاف المسؤول: إن أوباما سيبلغ أيضا عباس بأنه "يجب ألا نضيع فرصة السلام الحالية". وكان عباس قد صرح بأنه "لن يخون الشعب الفلسطيني.. بالموافقة على إلغاء حق العودة" لنحو 5 ملايين لاجئ فلسطيني في الشتات أو الاعتراف بإسرائيل "دولة يهودية". وعلى الرغم من عدم إعلان بنود الاتفاق الجاري بحثها، لكن الفلسطينيين يقولون إن المؤشرات الأولية توحي بأنه سيعرض عليهم سقف أقل مما وضعه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عام 2000، فيما أطلق عليه "معايير كلينتون". وأوضح مساعدو أوباما أنه يريد أن ينظر الجميع إلى وثيقة إطار العمل على أنها محايدة رغم الشعور السائد بين كثير من الفلسطينيين بأن واشنطن تنحاز لجانب إسرائيل. وإلى جانب القضايا الجوهرية ظهرت أيضا عقبات أخرى أمام التوصل لاتفاق وبخاصة مطلب نتنياهو بأن يعترف عباس بإسرائيل كدولة يهودية. ويقول عباس: إن قبول هذا سيحرم شعبه فعليا من صلتهم بالأرض، وسيعني كذلك التخلي عن حق العودة بالنسبة لنحو خمسة ملايين لاجيء فلسطيني وأبنائهم وأحفادهم، وهو حق شخصي يخص كل فرد منهم وليس حقا عاما، كما تنص على ذلك أيضا المواثيق الدولية. وأيدت واشنطن الموقف الإسرائيلي، لكن في خطوة ربما تكشف عن خيبة أمل إزاء نتنياهو، قال كيري أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب أمس الخميس: إن من "الخطأ" إثارة المسألة مرارا وتكرارا على أنها "العامل الحاسم". وإلى جانب إصراره على عدم الرضوخ في هذه النقطة يواجه عباس أيضا ضغوطا في الداخل كي لا يوافق على أي اتفاق ذي صياغة فضفاضة يمكن أن تطيل أمد المفاوضات دون علامة واضحة في الأفق على نهايتها. وأصدرت منظمة التحرير الفلسطينية التي يرأسها عباس بيانا الأسبوع الماضي عبرت فيه عن رفضها التام لأي تمديد لأجل المفاوضات. وقالت اللجنة التنفيدية بعد اجتماع عقدته الأربعاء: "انطلاقا من الالتزام بالإرادة الوطنية والموقف الشعبي الشامل، تؤكد (اللجنة) رفضها الحازم لأي تمديد في المفاوضات بعد الموعد الذي تحدد لها". وقالت حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية: إن أي مباحثات قادمة ستكون عقيمة ما لم يحدث تجميد للبناء الاستيطاني اليهودي على الأراضي المحتلة التي يريدها الفلسطينيون لإقامة دولتهم المستقبلية. وأضافت قائلة: إن أي تمديد للمحادثات حتى ولو لعام واحد سيتيح للإسرائيليين الانتهاء من مشروع "إسرائيل الكبرى"، مشيرة إلى تكثيف النشاط الاستيطاني. وقالت: إن الوثيقة على وضعها الحالي لا تمثل حتى نقطة بداية. غير أن مسؤولا فلسطينيا كبيرا طلب عدم نشر اسمه؛ نظرا لحساسية الموضوع قال: إنه يرى أن هناك فرصة جيدة لأن يوافق عباس على مواصلة المحادثات؛ نظرا لزيادة ضغوط الحكومات الغربية عليه. وقال عباس أمام حلفاء سياسيين في رام الله هذا الأسبوع: إنه وقع تحت ضغط كبير خلال السنوات الماضية، لكنه تعهد بعدم الرجوع عن النقاط الجوهرية. وقال مخاطبا اعضاء المجلس الثوري لحركة فتح: "أقسم بالله لو أخبرتكم عن الضغوط التي تعرضت لها خلال السنوات الثلاث او الاربع الماضية لأشفقتم على حالي، ولكني اسعى لتحقيق شيء لوطني ولا أريد شيئا". واضاف: "عمري 79 عاما ولست مستعدا لأن أنهي حياتي بخيانة، ولست مستعدا أن أسمح بالإساءة لحركة فتح". وقد يرى أوباما الذي يدرك الضغوط التي يواجهها عباس تعزيزه. وقال المسؤول الأمريكي: إن"الرئيس عباس اتخذ بعض القرارات الصعبة خلال الاشهر القليلة الماضية، ممتنعا عن الذهاب إلى الاممالمتحدة وظل في المحادثات على الرغم من التقلبات الكثيرة". وإذا ثبت عدم جدوى جهود السلام فقد يهدد الفلسطينيون بنقل معركتهم لإقامة دولة إلى وكالات الأممالمتحدة والمحاكم الدولية، وهي خطوة تعارضها الولاياتالمتحدة وإسرائيل بشدة.