السينما في ايران وجه بارز من وجوه الثقافة الايرانية التي استطاعت ان تختار طريقا وسطا بين التزامها الديني الذي تفرضه طبيعة المجتمع والنظام السياسي هناك، وبين اندفاعها المستمر للتواصل مع انجازات الفنون الحديثة والمشاركة فيها. تمكنت السينما الايرانية خلال السنوات الماضية من تقديم نماذج متقدمة على مستوى الاخراج السينمائي عالميا، كانت سببا للاحتفاء بها غير مرة في المسابقات الدولية المخصصة لابداعات الفن السابع، وهي في كل مرة تحرض الآخرين على معاودة السؤال عن قابلية المجتمعات المتدينة للاقتراب من صناعة تبدو محل توجس ومساءلة من قبل السلطة الدينية. لا يخفي المخرجون الايرانيون في احاديثهم وجود نوع من السجال المستمر والطبيعي حول ما يقدمونه من اعمال، غير ان ذلك في الاغلب يأتي في سياق الحوار القائم داخل المجتمع والذي لا يخلو على الدوام من اشكال المد والجزر في ما بين الاصلاحيين والمحافظين، خاصة في سبيل ايجاد مزيد من الحرية لاستثمار هذه الصناعة في مطاولة قضايا المجتمع الحساسة، وهذا ما تعكسه الصحافة الايرانية في متابعاتها وتعليقاتها على الافلام. وكان فيلم (مارمولك) للمخرج الايراني كمال تبريزي واحدا من اكثر الافلام اثارة للجدل خلال العام المنصرم، اذ تعرض لموجة من ردود الفعل والاحتجاجات القوية من قبل رجال الدين الذين وصفوه بالخيانة لاعتقادهم بأن فيه تجنيا على مقام رجل الدين في المجتمع الايراني. يتعرض هذا الفيلم الكوميدي الذي ظلت وزارة الارشاد الايرانية مترددة في شأن عرضه بالنقد لظاهرة تقديس رجال الدين والتبعية العمياء التي وصِم بها المتدينون، من خلال سرد قصة لص استطاع ان يفر من السجن متخفيا في زي رجل دين، ليمارس دوره الجديد في الحياة كرجل دين يؤم الناس ويخطب فيهم وينال عطاياهم، دون ان يتمكنوا من اكتشاف احتياله وضحالة فكره الديني. حاول الفيلم بسياقه الساخر ان يقدم الوانا من النقد لمجتمع رجال الدين وَ المتدينين، وذلك بكثير من الذكاء واللباقة، مما وفر له حصانة امام القضاء الايراني الذي لم يجد مسوغا لمنعه بعد موافقة المخرج على حذف مشاهد بسيطة منه. ما يهم في موضوع (مارمولك)- ومارمولك كلمة فارسية تعني السحلية- انه يفتح هامشا جديدا لنقد انماط التدين في المجتمع الايراني، وما تمتاز به الحياة الدينية على نحو العموم من اندفاع عاطفي وعفوي قد يدفع باتجاه التقديس لشخص رجل الدين والغفلة عن الخطوط المعوجة التي قد تعتري سلوكه وتفكيره بوصفه بشرا معرضا للخطأ. ما يدفع رجال الدين للتحسس من هذا الفيلم هو جرأته في الاشتغال على تلك المفارقة التي يتأسس عليها البناء الدرامي للفيلم، والتي قد تحرك في نظرهم كثيرا من الاسئلة والشكوك في ذهن المشاهد العادي حول مكانة رجل الدين ومصداقيته، وربما منحت الآخرين الرخصة للتمادي في نقد ذوات كان يظن انها لا تمس، في وقت كانت ايران مشغولة بقضية اخرى شبيهة للاستاذ الجامعي هاشم آغاجاري الذي حكم عليه بالاعدام بعد خطبة اعترض فيها على ادوار رجال الدين في المجتمع الايراني وتضمنت بحسب القضاء اهانة لشخصية النبي، وذلك قبل ان يلغى عنه حكم الاعدام في وقت لاحق. ومهما يكن موقفنا من هذا الفيلم، يحسب له انه قد طرق بابا ، واثار نقاطا بالغة الحساسية، لا يصح التغافل عنها، وهي اننا مطالبون على الدوام بملاحظة سلوكنا الديني، وانماء حالة الوعي النقدي لافكارنا وسلوكياتنا، باعتبارها ضرورة ملحة لصيانة حياتنا الايمانية.