انقضى عام 2004 بخيره وشره، لكن بقيت آثار مجموعة من الأعمال الدرامية - السينمائية والتلفزيونية - التي أنتجت فيه والتي أثارت الجدل الواسع في بلدانها، أفلام تجاوزت التابوهات المعروفة وناقشت موضوعات صنفت في وقت من الأوقات ضمن المحرمات التي لا يجب الاقتراب منها لدواع مختلفة.. لقد كانت صاددمة فعلا وجريئة، ولأنها كذلك واجهت هذه الأعمال رفضاً كبيراً وصل في بعض الأحيان إلى رفع القضايا في المحاكم، وفي بعضها إلى القتل الصريح المتعمد.. وفي تقريرنا هذا سنعمل على رصد أبرز هذه الأعمال، وما أثارته من زوابع على المستويين الفكري والاجتماعي. الفيلم الإيراني «السحلية» اللص «رضا» الملقب بالسحلية، يقترف عدة جرائم سطو ويعتقل ومن ثم يحكم عليه بالسجن المؤبد.. وفي السجن يجد مضايقات من الحراس الأمر الذي يضطره للانتحار، وعندما فشلت محاولته، تم بعثه إلى مستشفى السجن من أجل اتمام عملية علاجه، وهناك يتعرف إلى أحد رجال الدين، وبمراوغة بسيطة يتمكن من سرقة وشاحه وعمته، فيرتديهما اللص «رضا» ليتحول بفضل ذلك إلى «الملا» أو الشيخ «رضا» ويهرب من السجن ليتوجه إلى الريف، على الحدود الايرانية، وهناك تبدأ متعة الفيلم، حين يقابل العامة البسطاء السذج الذين ظنوا أنه «مُلا» حقيقي وبدأوا يكبون عليه آيات الاحترام والتبجيل التي وصلت حد التقديس المطلق، ومن هذه النقطة يبدأ الفيلم في توجيه انتقاداته المباشرة والواضحة تجاه المؤسسة الدينية في ايران، داعيا اياها أن ترفق بالناس وان تتعامل معهم بانسانية تجعلهم يقبلون على الدين ولا ينفرون منه، وكل ذلك باسلوب كوميدي جميل جدا، الفيلم كان جريئا ومفاجئا، ولأنه كذلك فلقد اكتظت دور العرض السينمائي بالمشاهدين من كافة الشرائح ما جعل الفيلم يحطم شباك التذاكر ويصبح الأعلى دخلاً في تاريخ السينما الايرانية، وفيما يتعلق بردود الفعل، فقد لقي الفيلم ترحيبا متوقعا من الجمهور العادي، أما رجال الدين والطلبة فقد اتفقوا على رفض الفيلم، ووصفوه بأنه مسيئ ومخزٍ، وكان أعنف رد فعل جوبه به الفيلم هو اقتحام مجموعة من المتشددين صالة للسينما شمال ايران وأخرجوا جميع من فيها بعد أن أوقفوا عرض الفيلم، بينما قال الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي حسن روحاني «حتى في عهد الشاه الذي كان عدوا لعلماء الدين لم يتجرأ أحد على انتاج فيلم مسيئ كفيلم «السحلية». الفيلم الهولندي «خضوع - Submission) فيلم تلفزيوني قصير، وجزء أول كان من المقرر أن يتبعه مخرجه ثيو فان جوخ بجزء ثان، لكن يد القدر كانت أسبق حيث قتل على يد شاب مغربي لم يعجبه ما رأى في الفيلم من جرأة وقسوة على الدين الاسلامي، الفيلم يحكي معاناة امرأة مسلمة تعرضت للاغتصاب من قبل عمها المسلم، ومن ثم أجبرت على الزواج من رجل يسيئ معاملتها بشكل صارخ، وبالاضافة إلى حدة الطرح وتطرفه كانت هناك بعض اللقطات غير المقبولة كتلك التي تظهر بها بطلة الفيلم شبه عارية وترتدي زياً منقوشاً عليه بعض الآيات القرآنية، ورغم مشاعر الاستياء التي تسيطر عليك اثناء مشاهدة هذا الفيلم المتطرف، الا انك لن تقبل - قطعا - جريمة قتل المخرج، اذ أن الحماسة الدينية ليست مبررا ابدا لارتكاب جريمة كهذه، كما أن أي رد أحمق وغير حكيم قد يجلب المتاعب لبقية أفراد الجالية الإسلامية في هولندا، وهذا ما حصل فعلاً، يقول رئيس الوزراء الهولندي بأن بيتر بالكنندي معلقا على مقتل فاخ جوخ: «إنه من غير المقبول أن يقتل انسان بطريقة وحشية لأنه عبر عن رأيه». الفيلم قامت بكتابته الكاتبة «أيان علي» التي تخلت عن الإسلام وتمارس انتقاداتها الشديدة عليه منذ أن هربت من بلدها الصومال، وهي تعيش الآن تحت الحراسة المشددة خوفا على حياتها من الجالية الإسلامية الغاضبة. «آلام المسيح» من اخراج النجم الأمريكي ميل غيبسون، وبطولة الشاب جيمس كافزيل بدور المسيح عليه السلام. يسرد الفيلم حكاية آخر اثنتي عشرة ساعة من حياة المسيح، والتي ضجت - بحسب تصور المسيحية - بصور العذاب والألم، صور أهلت الفيلم لأن يكون الأشبع والأعنف في السنة الماضية، ميل غيبسون الذي كان واقعيا إلى حد الثمالة في تجسيده لرحلة الألم هذه، كان أميناً في نقله ما جرى من وقائع في تلك الساعات مستندا في ذلك على الأناجيل الأربعة ومجموعة من المذكرات لعدد من الرهبان كمصادر موثوقة لحكايته، ورغم انه لم يبتدع شيئا من عنده، واجه غيبسون سيلا من الانتقادات لاثارته خلافا تاريخيا حادا كهذا، وقد جاءت الانتقادات - كما العادة - من اليهود الذين اتهموا غيبسون بمعاداة السامية، وطالبوا بمنع عرض الفيلم في دور العرض العالمية، وكادوا يقتربون من تحقيق هذا في أوروبا وتحديدا في دولة بلجيكا التي كانت قاب قوسين أو أدنى من تطبيق المنع، اما في البحرين فقد منع الفيلم رغم أن سينما مجمع السيف قد وقعت العقد من أجل عرضه، وسبب المنع هنا هو الخوف أن يحمل الفيلم في طياته دعوة تنصيرية، اما على المستوى الشعبي في البلاد العربية فلقد انتشرت المحاضرات الدينية التي تعارض وتحذر من هذا الغازي الآتي من أمريكا، حيث أصدر الشيخ الدكتور محمد الطبطبائي فتوى تحرم مشاهدة الفيلم، كما ألقى الشيخ المصري محمد إحسان محاضرة تقدم ذات المعنى والمضمون. (بحب السيما) في هذا الفيلم الذي تألقت فيه الفنانة المصرية ليلى علوي، يقدم المخرج اسامة فوزي حكاية طفل مصري مسيحي يعشق السينما والفن والحياة لكن والده الأصولي المتطرف يمنعه من ورود صالات السينما بحجة أنها أقصر الطرق إلى جهنم، فيما يمنع زوجته - ليلى علوي - من ممارسة عشقها الأبدي - الرسم - بذات الحجة السابقة، الفيلم أثار بلبلة في المجتمع المصري، ووجد احتجاجات كبيرة من الأقباط الذين تفاجأوا بتوجيه تهمة التطرف اليهم، وهي التهمة التي جرت العادة أن توجه للاسلاميين دون سواهم، وفي هذا الشأن تعلق الفنانة ليلى علوي قائلة: «الفيلم لم يكن موجها إلى المسيحية بذاتها بقدر ماهو تعبير عن أن التطرف موجود في كل الطوائف والأديان.. اذا أردنا تغيير اسم البطل من عدلي إلى محمد أو أن يكون البطل يهوديا أو أن تدور احداث الفيلم بعيدا عن مصر.. فسيكون ذلك مقبولا» والاتهامات التي طالت جميع من عمل في هذا الفيلم، طالت كذلك القس اكرام لمعي راعي الكنيسة الانجيلية بشبرا، وذلك بسبب لقطات حفل الزفاف التي صورت في كنيسته، وقد ألحق القس بيانا تفصيليا موجهاً الى القساوسة الغاضبين يشرح فيه ملابسات الحدث والكيفية التي سمح بها لطاقم الفيلم بالتصوير داخل الكنيسة، وقد ذكر في البيان انه طلب وبالحاح ازالة اسمه من على «تتر» الفيلم.. مسلسل (الطريق إلى كابل) كان بلا منازع نجم شهر رمضان الماضي، وذلك عطفا على ما أثاره من جدل ولغط منذ عرض اولى حلقاته وحتى اعلان قرار ايقافه عند عرض حلقته الثامنة، المسلسل الذي يحكي قصة الأفغان العرب أو من يدعون بالمجاهدين، كسر أحد التابوهات السياسية الخطيرة بصورة جريئة لم يسبقها اليها أحد، إذ اعتدنا من صناع الدراما أن يلجأوا إلى موضوعات تاريخية ميتة ليناقشوا بها هموم الواقع، وهذه المرة الأولى التي يطرق فيها موضوع حساس كهذا لا نزال نعيش أصداءه حتى اللحظة، المسلسل واجه احتجاجات من عدة جهات، تحديدا من الجماعات الإسلامية العسكرية التي هددت بعض فصائلها بتصفية كافة الأفراد والجهات التي ساهمت في صنع المسلسل، وقاد كل هذا الصخب والضجيج والاحتجاج إلى إيقاف عرض المسلسل بطريقة لا تزال حتى الآن غير مفهومة.